هموم في الصناعة والسياسة

شارك المقال

Share on facebook
Share on linkedin
Share on twitter
Share on email
Share on whatsapp

يتحدث الكتاب عن تجربة رياض سيف كصناعي يسعى لإحداث تغيير سياسي في بلده وكيف انعكست هذه الإرادة عليه بحيث أفقدته منصبه السياسي وتسببت في خسارته لمبالغ طائلة.

الجمهورية العربية السورية

   عضو مجلس الشعب

     رياض سيف

تجــربة ريـاض سـيف

همـوم في الصــناعة و السـياسـة

لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ و لا أن يتستر على العيوب و النواقص “

من أقول السيد الرئيس حافظ الأسد

الفــهرس

_ تمهـــــــيد

_ بداية نشاطي الصناعي

_ النجـاحـــات

_ الانسحاب المفاجىء لرئيف قباني و عبد الرزاق الصوفي

_ التوقف المؤقت لصادرات روسيا و بداية الكارثة

_ شروط تعجيزية

_ ايجاد اسواق بديلة

_ بدء عقود التصدير مع شركة اديداس العالمية

_ الغاء الاعفاء الصناعي و رفع الضريبة 400 % و بأثر رجعي

_ 1991 عام  الخيارات الصعبة و تقرير المصير

_ انسحاب الشريك هشام منكش عام 1992

_ بناء مصنع اديداس ” جرأة أم تهور “

_ دخولي المعترك السياسي

_ استسلام مؤقت

    _ الركود الاقتصادي في سورية الاسباب و الحلول

_ توقيف السماح باستيراد احذية اديداس

_ مصادرة حق الشركة بالحصول على قرض مصرفي

_ اتهامي كجامع اموال

_ تكثيف المضايقات الضريبية عام 1998

_ انتخابات الدور التشريعي السابع

_ طلب تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق

_ التفرغ للنشاط السياسي

_ مداخلة مثيرة للجدل

_ ضريبـة وقحـة

_ حادثة فقدان ابني اياد

_ طرق الارتزاق

_ الخـاتمـة

تجــربة ريــاض ســيف

همــوم في الصنــاعــة و السيــاســة

 قـال تعالى في كتابه العزيز :

 ” فأما الزبد فيذهب جفاءاً و أما ما ينفع الناس فيمكث في  الارض” 

صدق الله العظيم

             لقد ضمن الدستور السوري جميع الحريات الأساسية، كما ضمن بشكل واضح مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، و سيادة القانون على الجميع كما أكد على فصل السلطات الثلاث ،وحدد دور كل منها في إدارة الدولة و رعاية مصالح الشعب على الرغم من ضخامة التحديات التي تواجه اقتصادنا و المعاناة التي تزداد وطأتها على شعبنا يوماً بعد يوم ما فتأت فئة من أصحاب المصالح الخاصة تحاول ذر الرماد في العيون ، تتشدق بانجازات لم تساهم في تحقيقها و تعطي صورة مضللة لانجازاتها الوهمية فمن يسمع خطاب الحكومة في كل مناسبة يظن اننا انجزنا كل شيء ،و ما علينا إلا ان نستريح و ننعم بتلك الانجازات ، و ما ان نتوجه الى واقع الحال حتى نرى حالة مرعبة من الفقر و الاحباط و ضياع الحقوق و استفحال الفساد ، مما يهدد مستقبل الامة بأسرها ، بعد ان استنذفت مواردها المادية و اغلق الباب أمام ما نحتاجه من تفعيل ديمقراطي .

         عام 1987 تسلم السيد محمود الزعبي رئاسة مجلس الوزراء في ظل ظروف محلية و اقليمية و دولية بالغة الدقة و الخطورة إذ كان العـالم يعيش مخاضات شديدة و متسارعة تنبأ بولادة عالم  جديد تتزعمه الدول الصناعية الراسمالية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ، التي تسعى لتحويل العالم الى سوق واحدة ، تعتمد على المنافسة الحرة ، عالم لا حياة فيه للضعفاء .

في ظل تلك الاجواء اصبح لزاما على الحكومة السورية ان تعيد النظر بسياساتها الاقتصادية فابتدعت ما سمته بالتحول التدريجي نحو اقتصاد السوق مع الحذر الشديد خشية الانزلاق . و كان ذلك تغطية مناسبة للهروب من اعتماد برنامج تحول اقتصادي واضح ينفذ ضمن خطط معلنة ،مما سمح لها بالتصرف كيفيا و اتخاذ القرارات الاقتصادية بما ينسجم مع مصالح فئة صغيرة على حساب الاكثرية  مستخدمة ادوات فضفاضة مثل لجنة ترشيد الاستيراد و التصدير و المجلس الزراعي الاعلى و غيرها من الهيئات و اللجان . فاصبحت القرارات تفصل على قياس تلك الفئة من المستفيدين التي تشكلت من بعض المسؤولين و ابناءهم و شركاءهم من التجار. و من خلال  التعقيدات في معاملات المواطنين و استفحال البيروقراطية اصبح لا مفر من دفع الاتاوات ابتداء من التعاقدات الكبيرة مع الدولة و انتهاء ببيع فرصة عمل في الدولة قد لا يتجاوز الراتب فيها 3000 ل.س مما ادى الى انتقال جزء كبير من اموال المواطنين و المال العام الى جيوب  تلك الفئة و حساباتها في لخارج .

لقد ساعد في الوصول لهذه الحالة  مئات القوانين القاصرة و المهترئة التي تجبر المواطنين على مخالفتها بشكل جماعي بالاضافة الى هزالة الرواتب التي جعلت الكثير  من موظفي الدولة مستثمرين لمناصبهم يفرضون ما يحلو لهم من الاتاوات بما يتناسب مع حاجة المواطن لتوقيعهم او اتقاء شرورهم .

        رغبة من الحكومة في استمرار تلك الفوضى فقد حرصت على عدم تحديث القوانين و عدم رفع الرواتب كما يتبين من كلام رئيس مجلس الوزراء في مجلس الشعب  حيث قال في سياق رده على مطالبة اعضاء المجلس بزيادة الرواتب ” ليس عيبا ان يبيع المعلم الخضار على الرصيف بعد الدوام كما ان اغلب الموظفين في الدولة يحصلون على عمل اخر بعد الدوام و هذا يعني  توفر فرص العمل في سورية بمعدل فرصتين لكل طالب عمل “و اتبع ذلك بحجج ليس من مصلحة الوطن ذكرها .

       في خضم التحولات الاقتصادية العشوائية صدر قانون الاستثمار رقم 10 و قد دس في مادته الثالثة  جملة  ” وسائل النقل ” استأثرت باعفاءات من الرسوم الجمركية تزيد عن 50 مليار ل.س اضافة الى اعفاء من ضريبة الدخل لخمس سنوات على الرغم من ان هذه الجملة تتناقض مع روح القانون و اسبابه الموجبة . و قد توزعت تلك العطاءات السخية من الحكومة على عدد لا يزيد عن مائة شخص يستطيع كل من يعود الى قوائم اسماءهم اكتشاف سر وجود هذه الجملة في القانون . و في الطرف الاخر فان الموظف و العامل مجبر على دفع ضريبة دخل بنسبة 11 % عن راتبه البالغ 5000 ل.س دون الاكتراث بأن مثل هذا الراتب لا يرقى الى تغطية الحد الادنى الضروري للمعيشة للعامل و عائلته و اذا اردنا الاستطراد في ذكر الامثلة عن ما نعيشه من تناقضات لاحتجنا الى عشرات المجلدات .

   و في السياسة الاقتصادية للحكومة فقد سعت الى  مضاعفة التحصيلات الضريبية و بشكل عشوائي و عدم صرف نسب كبيرة من مخصصات المشاريع الاستثمارية في الموازنة و تقليص ما كانت تدفعه الدولة من دعم للمواد الاساسية و عدم رفع الرواتب رغم ارتفاع نسب التضخم .

و قد تمكنت بكل تلك الاجراءات من تحقيق هدف تثبيت سعر صرف الليرة و لكن تلك السياسة اوصلت الاقتصاد السوري الى مأزق صعب ليعيش حالة من الجمـود

 و التخلف عن مثيلاته في الدول المنافسة حيث بات اقتصاداً راكدا و غير قادر على التفاعل مع استحقاقات التحديات القائمة .

        ان الفئة المستفيدة من تلك السياسات حريصة كل الحرص على ان لا يعكر صفوها اية مراقبة او محاسبة حقيقية و لذلك تسعى بكل الاساليب الى تهميش دور اعضاء مجلس الشعب و التعامل مع كل عضو بما يتناسب مع موقفه منها  ، و من يحاول  تعكير صفو تلك الفئة  بفضح أخطاءها  فسيكون الخاسر قطعا  في معركة غير متكافئة .

لقد حرصت الحكومة دائما على التعتيم ما امكن على اعضاء مجلس الشعب بعدم تمكينهم من الحصول على ارقام تفصيلية و ابرز مثال على ذلك هو اختصار عدد النسخ من الجداول التفصيلية لاغلاق ميزانيات الدولة المقدمة للمجلس على ثلاث نسخ تحصل منها لجنة الموازنة على نسخة واحدة فقط. و لكني تمكنت بشكل استثنائي من الحصول على نسخة من تلك الجداول و قمت بافراغها على الحاسوب ضمن برنامج مكنني بكل بساطة من تحليل جميع ارقامها و اجراء المقارنة و المجاميع لعدد من السنين كما اعطاني العديد من التقارير و الدراسات المنشورة منها وغير المنشورة في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية امكانية الوقوف بشكل دقيق على مجمل نشاطنا الاقتصادي و انعكاساته الاجتماعية مما مكنني من اظهار الكثير من الارقام الحقيقية التي تتناقض مع ما تعلنه الحكومة الامر الذي وضعني موضع العدو و  بات لزاما علي تحمل تبعات ذلك العداء و كل نتائجه .

 رغم كل ذلك فان ايماني ظل راسخاً بأننا بحاجة ماسة و مصيرية لانقاذ ما يمكن انقاذه عن طريق اصدار مجموعة متكاملة من القوانين القادرة على اعادة الحركة لاقتصادنا و اعادة التوازن بين الدخل و ضرورات المعيشة للاكثرية الساحقة من ابناء شعبنا عن طريق زيادة الانتاج و تحسينه و العودة الى مجتمع تكافؤ الفرص و سيادة القانون و استعادة السلطتين التشريعية والقضائية لكل ما تم انتقاصه من صلاحيتهما بما يكفل اعادة تفعيل كل فئات الشعب و السماح لها بالعمل تحت النور لقطع الطريق على كل المستفيدين من التستر و الفوضى .

لقد فهمت فوزي بعضوية مجلس الشعب بمثابة تفويض من الناخبين للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم ومستقبل أبنائهم و شعاري الاساسي في ذلك  ” أن لا سلطة على عضو مجلس الشعب سوى سلطة الضمير  “و ذلك من  خلال ما ينص عليه  الدستور السوري ،و التزاما بتوجيهات قائد الامة الرئيس حافظ الأسد حين قال في كلمته التوجيهية بتاريخ 19/11/1981 ” و لا يفوتني منذ اليوم الاول الانعقاد مجلسكم ، ان اؤكد على الاهمية القصوى لممارسة المجلس مهامه الدستورية ممارسة تامة ، و في اطار من المتابعة و الديناميكية و الدقة و الرؤية الثاقبة لمصالح الشعب العامة و من الخطأ و الخطر ألا نرى بشكل واضح مدى السلبية التي تنجم عن أي تهاون او تقصير بممارسة المجلس دوره كاملا و هو المؤسسة التي اختارها الشعب كأعلى سلطة تشريعية انها امانة مقدسة ان يقوم كل منا بالدور الذي اوكله لنا الشعب و في اطار الدستور الذي حددته الجماهير ” .

لذلك  رأيت  من واجبي أن أقدم لكل مواطن غيور حقيقة المأساة التي عشتها والتي قادتني إلى حافة الإفلاس رغم كل ما قدمته للصناعة من خدمات وكل ما قدمته للعمالة السورية من حب و تقدير و فرص عمل شريف. و لا أبغي من ذلك مجرد إنصافي وتعويض ما لحق بي من الخسائر المادية والمعنوية، بل لتقديم الحقيقة  وقطع الطريق على كل المستفيدين من اختلال الموازين وفضح ممارساتهم التي أوصلت اقتصادنا إلى مأزق ليس من اليسير الخروج منه وحولت حياة الأكثرية إلى معاناة دائمة ومنعتهم من الحصول على حقوقهم كمواطنين في حياة كريمة.

و لعرض تجربتي سأكتفي برواية المحطات الأساسية منها وأترك للقارئ العزيز مهمة الحكم و الاستنتاج …..

في شتاء عام 1997 زارني في شركة اديداس سفير دولة الإمارات للتأكد مما سمع عن جودة منتجات الشركة و جوها الإنساني المتميز . قمنا بجولة استغرقت ساعتين رأى خلالها  اناساً يعملون بجد ونظام، ترتسم على وجوههم ابتسامات صادقة تدل على الرضى والمحبة. وتوقف ملياً عند المنتجات المعدة بأغلبيتها  للتصدير إلى أوروبا، ملابس رياضية تحمل أسماء “اديداس” و” ريبوك ” و “سبيدو “وبدلات عمل تصنع خصيصا لشركات مرسيدس واوبل الألمانيتين ،وملابس نسائية من أرقى الأصناف تصنع خصيصا لكبريات الشركات الإنكليزية. ثم أتى دور قسم الخدمات الاجتماعية فزار المسرح الذي يتسع لـ 700 شخص ثم المطاعم التي تخدم العمال طيلة أوقات الدوام وحضانة الأطفال التي خصص فيها لكل عشرة أطفال مربية متخصصة وقسم الرعاية الصحية الذي يضم العيادات الداخلية والعينية والسنية ثم وقفنا طويلا في قسم الإشراف الاجتماعي الذي يعمل فيه ثلاثة من المختصين مهمتهم رعاية صحة العمال الجسدية والنفسية والوقوف معهم و مع عائلاتهم في مناسبات الأفراح والاتراح وتقديم الدعم المادي والمعنوي لأسرهم بعيدا عن أية بيروقراطية .و في الختام زرنا مدرسة تعليم الخياطة و مركز التطوير الذي ساهم بتأسسهم اثنان من الخبراء الالمان .

في نهاية الجولة عرضت عليه تناول الغداء في شقتي القريبة من المصنع فوافق على الفور حبا بالاستطلاع على ما أعتقد. وبينما زوجتي تحضر الطعام بادر  إلى سؤالي باستغراب شديد هل هذا حقا بيتك الدائم أم انه محطة؟ وقد عذرته لان مساحة البيت لم تكن تتجاوز (90 م2)، وهو بسيط بمحتوياته لا يتناسب مع كونه بيت رجل أعمال مثلي و عضو في مجلس الشعب .ثم زاد استغرابه عندما علم أن هذه الشقة ليست ملكي بل استأجرتها بعقد سياحي يجدد كل ستة اشهر  لأني غير قادر على شراء شقة سكنية رغم أن ما تدفعه الشركة من أجور و خدمات للعاملين يزيد عن عشرة ملايين ل.س شهريا ، و أن متوسط ما صدرته في السنين الخمسة الأولى من عمرها بلغ 1.600.000.000 ل.س وأنها تملك توكيلاً لإحدى كبريات الشركات في العالم ”  اديداس”. و غادر السفير مندهشا من المفارقة التي شاهدها، ونمت بيننا صداقة عميقة استمرت حتى مغادرته سورية.

كان هذا التناقض الظاهر نتاجاً لأحداث مثيرة عشتها على امتداد السنين العشر الماضية والتي  بمجملها صراعاً من أجل البقاء. لم يكن همي فيه إلا الحفاظ على حقوق الآخرين وعلى اسمي ومصداقيتي و الاستمرار في الإنتاج الذي يعطيني المتعة كأحد أهم أسباب وجودي لان الإنتاج هو الخلود و العطاء و توفير فرص العمل الشريف هو أسمى الغايات .

بداية نشـاطي الصنـاعي

في صيف 1959 بعد أن أنهيت المرحلة الابتدائية، أتيحت لي أثناء العطلة الصيفية فرصة العمل في معمل للقمصان  بأجر أسبوعي قدره 6 ليرات سورية. و من خلال العمل 12 ساعة يومياً على الأقل استطعت كسب ثقة رب العمل مما جعله يعرض علي  أن أعمل بعد المدرسة مقابل ليرة سـورية لكل سـاعة  ! الأمـر الذي وفر لي

90 ل.س شهريا.

في صيف 1963 تبلورت لدى أخي الأكبر فكرة إقامة ورشة للخياطة ضمتنا أنا وأخي الآخر الذي كان معـلما. كان مجموع ما وفـرناه نحن الثـلاثة بــحدود

 (2800 ل.س) وكانت كافية في ذلك الوقت لاستئجار المكان والبدء بإنتاج القمصان الرجّالية.

وخلال 10 سنوات أصبحت شركتنا (الاسم التجاري ماركة 400) أحد أهم معامل القمصان في تلك الفترة وربما أهمها على الإطلاق.

بقيت متابعتي للعمل تساير دراستي إلى أن أخذت الشهادة الثانوية وسجلت في كلية العلوم، لكن ضغط العمل منعني من الاستمرار في دراستي الجامعية، فتفرغت كليا للصناعة .

عام 1974 أصبحت  حاجتنا ماسة لاستيراد احتياجاتنا من الأقمشة ولوازم الخياطة مباشرة وذلك للحفاظ على المستوى المتميز لمنتجاتنا وزيادة أرباحنا من العمل التجاري طالما أن السيولة وإمكانيات التطور متوفرة.و نظرا لإلمامي بمبادئ اللغة الإنكليزية التي اكتسبتها من دورات ليلية فقد كنت المرشح الأوفر حظاً بين اخوتي للسفر إلى أوروبا.فقمت في نيسان 1975  بأول زيارة إلى ألمانيا وساهم النجاح الكبير الذي حققناه في إحراز تطور سريع وبناء علاقة مرموقة مع أشهر شركات تصنيع الأقمشة في ألمانيا والنمسا مما جعل من شركتنا واحدة من أكبر مستوردي الأقمشة لحاجات مصنعنا والمصانع الأخرى.

لقد أتاحت زياراتي المتكررة إلى ألمانيا  المجال لتحقيق رغبتي الجامحة في الاطلاع على آخر ما توصل إليه الألمان من تقنيات في صناعة الملابس فقمت بزيارات متعددة لشركات تصنيع القمصان الرجالية عالية الجودة وتنامت لدي الرغبة في إقامة منشأة جديدة للقمصان والبلوزات النسائية في سورية ،أطبق فيها ما اطلعت عليه من خبرة في طرق التصنيع والإدارة.و استطعت تحقيق ذلك الحلم في عام 1980 فأسست فرعا جديدا لشركتنا وكنت المسؤول الأول عن إدارته وحرصت على أن يكون متميزاً كل التميز باتباع الطرق العلمية في التصنيع على قاعدة صلبة من احترام العاملين والوفاء بحقوقهم الإنسانية والمادية فكان أول معمل في سورية تتوفر فيه وجبات الطعام المشترك وحضانة لأطفال  العاملات وعيادة طبية وقسم للإشراف الاجتماعي وكلها خدمات مجانيّة إضافة إلى ملعب رياضي يتيح المجال للعمال ممارسة الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع وكذلك منفذ بيع للمواد الاستهلاكية كفرع لوزارة التموين استطاع العمال من خلاله الحصول بسهولة على كل احتياجاتهم من المواد المقننة وبعض المواد الأساسية الأخرى بالإضافة إلى توفير النقل الجماعي المجاني .

كانت تجربة رائعة أشبه ما تكون بمبارة في الكرم قائمـة باسـتمرار بـين العمال و الإدارة كل يريد أن يثبت انه الأكثر كرما و عطاء .و جنى الجميع ثمار هذه العلاقة السامية فربح العمال و ربحت الشركة و أصبحت واحدة من رموز الصناعة الوطنيـة و مبعث فخر و اعتزاز كل العاملين فيها .استطاع هذا المصنع أن يطور إنتاجا متميزا بتكاليف معقولة ووصل  عدد العاملين فيه الى 320 عاملاً .و كانت الضرائب تدفع في حينها حسب خطة الإنجاز و كانت معقولة ولا تشكل عائقا أمام استمرار التطور في ذلك المصنع. و حتى نهاية عام 1988 كان  كل المتزوجين من العمال قد تمكنوا من  شراء شقق سكنية خاصة.

النجــــاحـات

في صيف عام 1987 وصلت شهرة هذا المصنع، الذي كنا نطلق عليه معمل “القدم” نسبة إلى اسم المنطقة، ذروتها فنشأت عندي فكرة بناء معمل أخر أضع فيه منذ البداية خلاصة ما تراكم عندي من خبرة. وسرعان ما انهالت علي العروض للمشاركة. واستطعت في فترة لا تتجاوز 10اشهر (من منتصف عام 87 وحتى بداية نيسان 88) بدء الإنتاج في المصنع الجديد الذي ضم 280 عاملاً و أطلق عليه اسم “معمل داريا” كان  مثاليا حقا ، ساعده على التميز بناؤه المناسب الذي صمم منذ البداية ليلبي كل الحاجات الضرورية للتصنيع والخدمات الاجتماعية  .

    كانت حصتي فيه  5/30 سهم  سجلت باسم ابني جواد مع احتفاظي بكامل الصلاحيات في الإدارة والتسويق مقابل نسبة أتعاب محددة .

أضاف لي هذا المصنع مزيدا من الشهرة والثقة بالنفس وأصبحت تجربتي في المصنعين المذكورين حديثا يتناقله الناس وعلى الأخص التفاصيل المتعلقة بالخدمات الإنسانية المتميزة التي لاقت الإعجاب والتقدير من كبار المسؤولين في الحكومة والزبائن المحليين والأجانب وكل من زاره أو سمع أخباره من المخلصين الفخورين بوطنهم وشعبهم.

و على الرغم من الشكوك وعدم الثقة التي كانت الصحافة المحلية تبديها حيال القطاع الخاص الصناعي فان جريدة الثورة الرسمية خرجت عن المألوف و أفردت صفحة كاملة بتاريخ 09/07/1989 نشرت فيها كل تفاصيل تلك التجربة تحت عنوان “تجربة رائدة في القطاع الخاص الصناعي”، حيث بدأت الفكرة عندما كان أحد الصحفيين في الجريدة وهو مشبع بالأفكار الاشتراكية يصغي لإحدى قريباته وهي تتحدث بعفوية عن سعادتها بما توفره الشركة من أجور مجزية وخدمات إنسانية واجتماعية.

في البداية لم يصدق كل ما سمعه فذهب بنفسه إلى الشركة والتقى عدداً من العمال والإداريين واستزاد بالمعلومات التي تعرفها نقابة النسيج في دمشق .وخلص إلى قناعة بان هذه التجربة وطنية خالصة يجب أن تنشر بكل تفاصيلها عسى أن تحفز شركات القطاع الخاص الصناعي وشركات القطاع العام على السير على خطاها وتبين لهم مدى مساهمة جو العمل الإنساني في نجاح المشروعات الاقتصادية السورية.

وفي صيف ذلك العام زار الشركة كل من السادة الدكتور نائب رئيس مجلس الشعب للشؤون الاقتصادية ووزير الاقتصاد ودهشوا لما شاهدوا وسمعوا من العاملين وقال أحدهم للآخر: ” هل نحن ما زلنا في سورية أم وصلنا إلى سويسرا؟” ثم استطرد قائلا: “لا بل انه افضل مما رأيت في سويسرا ……”

تكررت زيارات المسؤولين وضيوف الدولة من العرب والأجانب مثل وزير الصناعة المصري وأعضاء بعثة منظمة العمل الدولية وغيرهم

في صيف  1989 ونتيجة إلحاحي الشديد وافق زوج ابنتي على التحول من التجارة إلى الصناعة. وهكذا ولدت منشأة جديدة توظف 200 عامل  هي “شركة منعم وسيف”. ساهمت فيها بنسبة الثلث كما اسهم والده بثلث أخر وزوج ابنتي بالثلث الثالث إضافة إلى تفرغه لإدارة  المشروع . وتم شراء مكان قريب من معمل القدم وبدأ تجهيز المصنع .

في نفس الفترة طلب مني  عدد من الأصدقاء  مساعدتهم في إقامة منشأة أخرى لصناعة الملابس ونزلت عند رغبتهم ثقة مني بتوفر كل الشروط الضرورية للنجاح، خاصة وان تجهيز مصنعين في أن واحد سيعطينا شروطاً افضل بشراء ضعف العدد من الآلات والتجهيزات اللازمة. وقد تكفل اثنان من الشركاء بإدارة المشروع أحدهم دكتور مهندس والأخر صيدلاني.

في نفس الفترة تواجد في دمشق وفد تجاري من الاتحاد السوفيتي لشراء الملابس من سورية .ونظرا للنجاحات الكبيرة في تعاملنا معهم على مدى السنوات السابقة وانسجاما مع رغبة الاتحاد السوفيتي بالإسراع في تحصيل ديونه من سورية فقد تمكنت من توقيع عقد لتصدير القمصان الرجالية والملابس النسائية بمبلغ 14 مليون جينه استرليني وهو رقم كبير جدا قياسا بعقود السنين السابقة . على أن يتم التسليم طيلة عام 1990. لقد أخذت بعين الاعتبار عند التعاقد على تلك الكميات الكبيرة الطاقة الإنتاجية للمعامل الأربعة ” القدم  “و ” داريا ”  و “منعم وسيف  “ومعمل الأصدقاء الذي أطلقنا عليه اسم “حاكمة ودرويش وشموط و سيف وشركاهم” .

بعد توقيع العقود المذكورة بدأت على الفور بتثبيت شراء الكميات اللازمة من المواد الأولية التي كان نصفها تقريبا مستورد و على سبيل المثال بلغت حاجة  تلك العقود من الحشوات فقط (من شركة “نينو” الألمانية) ما يزيد عن 12 مليون ل.س. ودفعنا اكثر من هذا المبلغ ثمن الدانتيل من سويسرا. كما استوردنا (187) ألف متر ورق طباعة بقيمة 5 ملايين ل. س تقريباً من فرنسا. هذا عدا قيمة الأقمشة المستوردة والمحلية التي زادت عن  100 مليون ل. س.

و بما أني المسؤول عن تأمين العقود للمصانع  الأربعة فقد قمت بتثبيت جميع الكميات من المواد الأولية واللوازم على مسئوليتي الشخصية حيث لم يكن واضحا  تاريخ بدء الإنتاج في المعملين الجديدين ،وتم تأجيل توزيع كميات العقود على المعامل الأربعة لوقت لاحق .

في بداية العام نفسه 1989 قمت بتأسيس شركة في شمال فرنسا لبيع الملابس السورية مباشرة للمستهلك الفرنسي تحت شعار”البيع المباشر ” بهدف تغطية نسبة الـ 20 % من الصادرات إلى روسيا الواجب تصديرها إلى الأسواق الحرة وكذلك لفتح سوق جديد لمنتجاتنا في أوروبا.

استطعت في آذار عام 1989 افتتاح أول صالة للبيع المباشر في فرنسا بمساحة 700 م2 في مدينة سان تومير وقد لاقت نجاحا كبيرا شجعني على فتح صالة أخرى في مدينة ارمانتير في شهر أيلول من نفس العام. كان برنامجي يهدف إلى تأسيس شبكة من هذه المحلات في فرنسا وكان أهم  أسباب نجاح هذا المشروع  عدم وجود أي وسيط بين المستهلك الفرنسي ومصانعنا وكذلك الإعفاء الكامل للملابس السورية من الرسوم الجمركية مما مكننا من تقديم منتجات ذات جودة عالية بسعر يقارب نصف السعر المتداول في فرنسا. و قد امتلكت الشركة مركزاً رئيسياً لبيع الجملة بمساحة 2500 م2.كما قمت في صيف نفس العام البدء بتأسيس مركز بيع بالجملة في دبي. حتى بداية الشهر العاشر من عام 1989 كانت كل المشاريع الإنتاجية والتسويقية التي قمت بها محط الإعجاب والإكبار من كل المطلعين عليها فالأرباح مجزية سواء في السوق المحلي أم في أسواق الاتحاد السوفييتي والسوق الفرنسي. كان المستقبل يبدو باهرا وكان جميع العاملين في جميع النشاطات الإنتاجية والتسويقية يشكلون فريق عمل متكامل و متفان ومخلص يتمتع بالخبرة و ينعم بالكفاية المادية والراحة النفسية  .

الانسحاب المفاجئ  لرئيف قباني وعبد الرزاق الصوفي

في الأسبوع الثاني من تشرين الثاني عام 1989 قدم إلى شركة “قباني وحملي وسيف وشركاهم” الشريكان رئيف قباني الذي كان يملك (11/30سهم ) وعبد الرزاق الصوفي (3/30سهم )، وبدون سابق إنذار طلبا عقد اجتماع للشركاء. فاستدعيت بقية الشركاء وهم زهير الحملي  6/30سهم وعبد الله رحمون  2/30سهم  فطلب السيدان قباني والصوفي القيام بجولة في المصنع وراح رئيف قباني يبدي عدم رضاه عن كل ما يراه ويشكك بصحة كل المعلومات التي نقدمها له و في الاجتماع الذي عقد بعد الجولة كان رئيف قباني منفعلاً جدا وبدأ يتكلم عن وضعه الصحي السيئ وطلب مني مساعدته  بالخلاص من هذه الشركة الفوضوية التي قد تسبب له أزمة قلبية جديدة تقضي عليه. كنت في حالة من الذهول للتناقض الكبير  في صورة الشركة كما يراها رئيف قباني والصورة المشرقة التي يثبتها واقع العمل ونتائج حسابات الشركة، حاولت أن أجد لذلك تفسيرا لكن دون جدوى وفوجئت كثيرا عندما عرض علي رغبته في بيع حصته بالسعر الذي احدده و أكد لي  انه يقبل بأي سعر أضعه وبعد أن فكرت لبضع دقائق وضعت سعرا مجزيا متوخيا الأمانة مع ثقتي بأنه الطرف الخاسر في المستقبل لما كنا نتوقعه من خير كبير على المدى البعيد.

قبل رئيف قباني عرضي فورا وطلب جدولة الدفع حيث كان المبلغ الناتج عن قيمة بيع حصته مضافا إليه ما كان قدمه من القروض للشركة (53) مليون ل.س. وقدمت اقتراح بطريقة الجدولة فقبله  فورا. بعد أن قرانا الفاتحة على نية التوفيق في هذه الصفقة، فاجأني عبد الرزاق الصوفي (الذي تربطه صلة قرابة و صداقة  مع رئيف قباني )برغبته بالبيع بنفس الشروط مع استعطافي لأخذ وضعه المالي الضعيف بعين الاعتبار والإسراع في تسديد قيمة حصته المسجلة باسم زوجته هالة يونس وحتى تلك اللحظة لم اشك بأي سوء نية من تلك الصفقة المستعجلة وانتهى الاجتماع في الشركة في الساعة الثالثة ظهرا بعد الاتفاق على كل شيء وطلب السيد رئيف قباني توثيق البيع والمدفوعات في مساء نفس اليوم بسبب اضطراره للسفر في اليوم التالي.

و في الساعة السابعة تم الاجتماع في بيت رئيف قباني وكانت كل وثائق العقود والدفع مهيأة من قبل محامي رئيف قباني السيد محمد الغضبان. وعندما قرأت التعهد الذي يجب أن أوقعه، والقاضي بإلزامي بدفع الضرائب مهما كان نوعها ومصدرها والأسباب التي تفرض فيها، حتى في حال إلغاء الإعفاء الضريبي الذي تتمتع به الشركة حاليا أو أية ضرائب أو رسوم تطالب بها الشركة منذ بدء تأسيسها، اعتبرت أن الخوض في تلك التفاصيل حذلقة من قبل المحامين ليعطوا عملهم قيمة تغطي ما يتقاضونه من أجور مرتفعة لان الشركة أصلا معفاة من جميع الضرائب حسب المرسوم 103 لعام 52 والذي جرى تثبيت انتفاعها به من قبل مراقبي الدخل في مناسبات عديدة ولم يحصل في تاريخ سورية أن سمعنا بان وزارة المالية ألغت استفادة أي شركة من الإعفاء الصناعي.

التوقف المؤقت لصادرات روسيا و بداية الكارثة 

بعد عشرة أيام من خروج قباني والصوفي من الشركة طلبت وزارة الاقتصاد توقيف الشحن إلى الاتحاد السوفيتي مؤقتاً  بحجة إجراء مسح للوصول إلى إحصائيات دقيقة لمجمل ما تم تصديره بغية تنظيم عمليات التصدير في المستقبل واستبعاد عمليات التصدير الوهمية التي قام بها البعض وخاصة مصدري الشامبو والعطور بالتواطؤ مع الطرف السوفيتي، حيث كانت تحدث عمليات تلاعب غير معقولة. بعد أسبوعين من ذلك القرار زار شركة داريا “قباني وحملي وسيف سابقا” خمسة من أعضاء القيادة القطرية من بينهم السيد رشيد اختريني المسؤول الاقتصادي في القيادة القطرية. أبدى الجميع إعجابهم بكل ما رأوه بالشركة. وطمأنني السيد اختريني بان توقيف الشحن إلى الاتحاد السوفيتي يهدف إلى قطع الطريق على كل المتلاعبين ممن يقومون بالتصدير الوهمي . وقال أننا سنقطع الطريق على الذين يصدرون مياه صفراء باسم شامبو أما المصدرين الشرفاء الذين  يوفرون فرص عمل بأعداد كبيرة ويحققون قيماً مضافة عالية  فانهم سيلقون كل الرعاية. وبعد هذه الزيارة زال القلق الذي كنت أعيشه واستمر الإنتاج بالشكل الطبيعي وكان بحدود 5000 قطعة يوميا مخصصة إلى الاتحاد السوفيتي والسوق الفرنسي والسوق المحلي.

شــروط تعجــزية

قبل نهاية العام جاءت الضربة الموجعة الثانية التي تمثلت بتعليمات وزارة الاقتصاد بضرورة حصول المصدرين إلى الاتحاد السوفيتي على إجازة مسبقة للتصدير وبان أحد شروط الحصول على الإجازة هو تسديد جميع التعهدات السابقة والقاضية بتصدير ما نسبته 20 % من صادرات الاتحاد السوفيتي إلى الأسواق الحرة ، وكانت هذه التعهدات متراكمة لعدد من السنين لعدم استطاعة البضائع السورية المنافسة في الأسواق الحرة وخاصة من ناحية الجودة.

و نظرا لضخامة  حجم التعهدات تلك وللفرق الكبير في تحديد سعر دولار الصادرات إلى الاتحاد السوفيتي بـ 11.2 ل. س لكل دولار بينما سعر دولار الحر يعادل 4 أضعاف ( أي أن نسبة الـ 20 % هي في الحقيقة 80 % ) دبت الفوضى نظرا للطلب الشديد على التصدير للسوق الحر واستفادة مكاتب الشحن بفرض عمولة تراوحت بين 2-3.5 ل. س لكل دولار تصدير  و بلغت تعهدات التصدير لمجمل شركتي القدم وداريا والتي لم نستطيع تسديدها 5 مليون دولار أي اضطررنا إلى دفع ما يقارب 12 مليون ل.س لتغطيتها  وبعد أن أتممنا تسديدها  تقدمنا بطلب الحصول على إجازة تصدير فجاء قرار وزارة الاقتصاد بوجوب إعادة القطع الناتج عن الصادرات إلى السوق الحر قبل الحصول على إجازة جديدة للتصدير للاتحاد السوفيتي ونتيجة  لعدم تمكن الكثير من المصدرين، ومنهم شركتنا، من القيام بذلك فقد نشأت سوق جديدة يسدد فيها من يملك المال تعهدات إعادة القطع ويتقاضى عمولة ( 1 –3  ) ل.س  على تسديد كل دولار مع احتفاظه بحق الاستيراد الناتج عن تسديد دولار التصدير واضطرت الشركة لإتمام هذه العملية إلى دفع ما يقارب 10 مليون ل. س أخرى بالإضافة إلى خسارتها حق الانتفاع من دولار التصدير في تمويل مستورداتها .و خلال الفترة بين وقف الشحن إلى الاتحاد السوفيتي والحصول على أول إجازة امتلأت مستودعاتنا بكميات كبيرة من البضائع الجاهزة والمواد الأولية المحلية والمستوردة ،مما اضطرنا إلى توقيف ثلثي العمال بالتناوب لفترة زادت عن ثلاثة اشهر ودفع أجورهم أثناء عطلة العمل مما أضاف خسائر جديدة.

و عند حصولنا على إجازة التصدير  ظهرت مشكلة عدم توفر السفن الكافية لشحن البضائع لان المصدرين الكبار من أصحاب النفوذ، وخاصة مصدري الكميات الكبيرة من الشامبو والعطورات والمواد الغذائية، استطاعوا الاستئثار بطاقات الشحن المتوفرة وهكذا تأخر شحن بضائعنا على الرغم من حصولنا على إجازة. وبعد كل الجهود التي بذلت تمكنا من تصدير ما يقارب ثلث الكميات المتعاقد عليها وبقيت الأقمشة واللوازم المتوفرة لإنتاج القسم الباقي من العقود في مستودعاتنا. وتمكنا في العام التالي من شحن بعض العقود الأخرى ليصبح نسبة  العقود المشحونة  45 % .

بعد انقطاع الأمل بتصدير أية كميات إضافية من تلك العقود تخلف في مستودعاتنا كميات كبيرة من الملابس الجاهزة و الأقمشة و اللوزام المخصصة لتلك العقود و نظرا لطبيعة تلك العقود من حيث عدد القطع ( حوالي 100.000 قطعة للموديل الواحد ) و أشكال الموديلات و ألوانها التي تحمل خصوصية السوق السوفيتي فقد بات من المتعذر إيجاد أسواق تصديرية بديلة لتصريفها مما اضطرنا إلى بيع الكثير منها في السوق المحلية بأسعار رمزية تراوحت بين 10-50 % من كلفتها .كما تم إتلاف الكثير من المواد مثل لوازم التعبئة المطبوعة وورق الطباعة على القماش لتعذر بيعها  و تقدر مجموع خسائر التخلص من مخلفات العقود الروسية  بـ  45 مليون ل.س  .

إيجاد أسواق بديلـة عن السوق السوفيتي

منذ بداية عام 1989 وضعت برنامجا لإيجاد أسواق بديلة عن سوق الاتحاد السوفيتي  وتمكنت في نفس العام من تصدير بعض منتجاتنا إلى فرنسا وبيعها مباشرة للمستهلك الفرنسي ، و كانت السوق الألمانية هدفا صعبا  يتطلب مستوى عال من الجودة لذا بدأت البحث عن وسيلة لشراء  الخبرة من إحدى الشركات الألمانية المتخصصة وكان لي ذلك فوقعت عقدا لتدريب 13 عنصرا كنت على رأسهم في مصنع ألماني ينتج القمصان ذات المستوى الرفيع. تم ذلك في النصف الثاني من تشرين الثاني 1989 وعند انتهاء مدة  التدريب استطعت إقناع نفس الشركة بتصنيع جزء من منتجاتها في سورية. وبدأ الإنتاج بعقود صغيرة تجريبية في بداية 1990 وبذلك كنا أول شركة سورية تصنع لصالح شركة أوروبية مستفيدة من الاتفاقية الموقعة بين سورية و السوق الأوروبية الموقعة عام 1977. ويقضي هذا النوع من التصنيع (الإدخال المؤقت ) بان ترسل الشركة الأوربية  جميع الأقمشة واللوازم وتعليمات التصنيع التفصيلية عن طريق التصنيع ونسخة من الموديل المطلوب تصنيعه وخبيرا يشرف على الإنتاج وتأهيل الكوادر بحيث نقوم في سورية بالقص والخياطة والكوي والتعبئة ويطلق على هذا النوع من التصنيع عالميا تسمية C.M. وكان ذلك مناسبا جدا ويوفر فرص للعمل دون الحاجة لتمويل المواد الأولية مما وفر إمكانية تشغيل العمال رغم عدم توفر السيولة .

لقد بدأنا هذا النوع من  التصنيع في مطلع 1990 و  مجمل شركاتنا تمر بأزمة صادرات  الاتحاد السوفيتي مما جعلني استعيد الأمل في المستقبل إذا  توقف التصدير إلى الاتحاد السوفيتي بشكل نهائي. لقد أعطتني العلاقة مع تلك الشركة المشهورة ثقة بالنفس و عززت سمعتي و فتحت لي أبواب السوق الأوروبي فتمكنت بعد فترة قصيرة من إقناع شركة ألمانية أخرى بالتصنيع عندنا وبكميات اكبر .

بدء عقود التصدير مع شركة اديداس العالمية

في خريف عام 1990 زار سورية وفد من شركة اديداس لبحث إمكانية التصنيع في سورية. وبعد الاطلاع على إمكانات مصنعي الملابس في دمشق وحلب استقر رأيهم على التعامل مع شركتي شريطة أن يتم الإنتاج في المنطقة الحرة بدمشق تفاديا للتعقيدات والبيروقراطية التي يمكن أن تؤدي إلى تأخير تسليم العقود. وما أن تم التعاقد حتى بدأت بتأسيس معمل جديد أصبح جاهزا للإنتاج خلال 90 يوماً في المنطقة الحرة بدمشق على الرغم من أن منتجات اديداس الرياضية تحتاج إلى العديد من الآلات التخصصية التي توجب علينا شراءها ,وتم شحن بعضها بالطائرة فأغلقت معمل القدم و نقلت آلاته و عماله إلى المعمل الجديد في المنطقة الحرة للبدء بإنتاج عقود اديداس   وكذلك كان علينا تدريب وتأهيل كوادر تستطيع تلبية متطلبات اديداس التي تختلف تقنية تصنيعها عن القمصان الرجالية والبلوزات النسائية فتم لهذه الغاية تدريب بعض فنيينا في معمل اديداس في فرنسا.

وعند بدء الإنتاج في صيف 1990 أرسلت اديداس خبيرا أقام في دمشق للإشراف على الإنتاج وكان نجاحنا كبيرا أدى إلى كسب ثقتها فزادت من عقودها بنهاية1990 و بلغ إنتاج ذروته في شباط 1991 حيث زاد عدد العاملين لدي عن 500 عامل.

ولكن لسوء الحظ تطورت حرب الخليج بشكل متسارع وتم اتخاذ قرار بوقف جميع وسائل الشحن البحرية والجوية والبرية. ومن المعلوم أن شهر شباط هو ذروة موسم تسليم البضائع الصيفية. وخلال يوم واحد تلقيت من شركتي القمصان الألمانيتين قراراً بوقف التصنيع في سورية وعدم إرسال أية عقود جديدة  نتيجة ما تكبدوه من أضرار لعدم استلامهم العقود التي أنتجناها في شهري كانون الثاني وشباط.

 بقيت اديداس الزبون الوحيد الذي قدر ظرفنا ووعد بزيادة الكميات ولكن توقف إنتاجنا من القمصان وما ترتب عن حرب الخليج واضطرارنا إلى شحن الكميات المتراكمة على حسابنا جواً تفاديا للمزيد من التأخير رتب خسائر كبيرة زادت عن 20 مليون ل.س  أضيفت إلى خسائرنا الناتجة عن وقف التصدير إلى الاتحاد السوفيتي.

إلغاء الإعفاء الصناعي و رفع الضريبة 400 % و بأثر رجعي

لقد تأسست شركة داريا ( قباني وحملي وسيف ) مستفيدة من الإعفاءات المالية المنصوص عليها بالمرسوم التشريعي 103 لعام 52 ولمدة 3 سنوات. و تم تثبيت ذلك بكتاب وزارة الصناعة تاريخ 18/04/88 أقرت هذا الحق مراقبة الدخل في تقريرها الذي قدمته عام 1990 وكتاب وزير المالية رقم 2612 بتاريخ14/12/1989

في ربيع  1990 عقد اجتماع في مكتب وزير الاقتصاد حضره وزير المالية تقرر فيه و بكل بساطة رفع تقديرات الأرباح على صادرات الملابس إلى الاتحاد السوفيتي إلى  أربعة أضعاف ما كانت عليه في الأعوام السابقة أي من 4.75 إلى 19% مع الإصرار على تنفيذ هذا القرار بأثر رجعي بدءاً من تكاليف 1987؟‍  و بعد فترة وجيزة من رفع نسبة الأرباح و  بتاريخ 4/3/90 قررت لجنة الترشيد اعتبار جميع الصادرات إلى الاتحاد السوفيتي نشاطا تجاريا  لا يستفيد من الإعفاءات المالية المنصوص عنها في المرسوم/ 103 /لعام 1952. و بأثر رجعي أيضا يعود إلى تكاليف 1987.  في البداية لم يصدق أحد بان هذه القرارات الجائرة والمخالفة للدستور سوف يتم تنفيذها وقام وفد من غرف الصناعة والتجارة بتقديم شكوى إلى وزير الاقتصاد منذرين بان تطبيقها  سوف يؤدي إلى إعلان إفلاس الكثير من الشركات في دمشق وحلب

بعد مضي ما يقارب العام صدر القانون رقم  /20 / تاريخ 06/07/1991 القاضي بتخفيض النسب على الشرائح الضريبية كخطوة جديدة على طريق تشجيع الصناعة و التصدير و تضمن القانون المذكور ما يلي :

المادة / 5 /  لا تستفيد عمليات التصدير إلى دول اتفاقيات الدفع من الإعفاء من ضريبة الدخل على الأرباح المنصوص عنها في المرسوم التشريعي رقم 103 لعام 1952 و تعديلاته

المادة  / 6 / ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية و يعتبر نافذا بدءا من أول سنة التالية لتاريخ صدوره

و لكن اجتهادات وزارة المالية ضربت بعرض الحائط النص الواضح في القانون و ألغت حق الاستفادة من الإعفاء الصناعي لصادرات الاتحاد السوفيتي بأثر رجعي يعود لتكاليف 87 خلافا للقانون .كما عمدت و خلافا لنص و روح القانون و أسبابه الموجبة  القاضية بتخفيض الشرائح الضريبية الى رفع التكاليف الضريبية إلى 4 أضعاف و بأثر رجعي إلى عام 1987 .و فعلا بات لزاما علي أن أكون واحداً من أصحاب الشركات المفلسة حيث أن قرار رفع نسبة الربح 4 مرات وإلغاء الإعفاء الصناعي يلزمني بدفع حوالي 73 مليون ل. س عن شركتي القدم وداريا بينما كانت حسب تقديراتنا قياسا بالسنوات السابقة (أي باستعمال حقنا بالإعفاء الصناعي لشركة داريا) لا تتجاوز 8 ملايين ل.س أي أن ضريبة غير منظورة لم تكن في الحسبان بمبلغ 65 مليون ل. س ستضاف إلى مجمل الخسائر التي تكلمت عنها سابقا والناتجة عن ملابسات وقف التصدير إلى الاتحاد السوفيتي حتى وصل مجموع الخسائر إلى  161 مليون ل.س كما هو مبين بالجدولين 1 و2

جدول رقم 1  ( جدول الضرائب  )

الشركةسنة التكليفالضرائب التي كانت متوقعةالضرائب التي فرضت بغير حق
داريـا1988إعفاء صناعي11.558.984
1989إعفاء صناعي19.750.485
1990إعفاء صناعي11.372.873
القـدم19871.728.6986.914.790
19881.272.9375.091.748
19893.394.21713.576.867
19901.061.6894.246.757
المجـــــــــوع7.457.54172.512.504

جدول رقم 2 (جدول الخسائر حتى نهاية 1990)

ســـــبب الخســـــارةمبـلغ الخسـارة
شحنات لتغطية الـ 20 %12 مليون ل. س
كلفة إعادة القطع10  ”       “
تصفية مخلفات العقود المصنعة للاتحاد السوفيتي45  ”       “
تصفية عمل الشركة في فرنسا23 ”        “
إغــلاق مكتب دبي1   ”        “
إغلاق ونقل معمل القدم الى معمل بالمنطقة الحرة5   ”        “
ضرائب غير متوقعة عن 88-89-9065 ”        “
مجــــــموع الخســــــائر161 مليون ل. س

1991 عام الخيارات الصعبة و تقرير المصير

بدأ عام 1991 و الشركة ترزح تحت عبء خسائر فادحة و نقص حاد بالسيولة و كان الخيار الصعب بإعلان الإفلاس يبدو و كأنه النهاية الأكيدة للشركة مما يعني تكبد خسائر إضافية نتيجة بيع الموجودات و الأبنية و المواد الأولية و تسريح جميع العاملين الذي وصل عددهم في تلك الفترة إلى حوالي 800 عامل و هذا يعني خسائر لا تعوض إذا ما قدرنا القيمة الحقيقية لمثل هذه المجموعة المتكاملة و المدربة على الأعمال التخصصية و التي اكتسبت خبرتها على مدى سنين طويلة . ثم جاءت حرب الخليج لتفاقم من الخسائر حيث اضطررت إلى تأجيل إعلان نسبة الأرباح للمساهمين ريثما يتم اتخاذ قرار نهائي بمصير الشركة

في نهاية شهر آذار بدأ الحديث عن قرب بدء إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص الصناعي و التصدير و تجدد الأمل و زادت شركة اديداس من عقودها بشكل كبير فقررت بموافقة شريكي هشام منكش  عدم إظهار الخسائر للمساهمين و إعلان نسبة ربح وهمية قــدرت بـ (   21 % ) عن عام 1990 و بالفعل صدر قانون الاستثمار رقم 10 بتاريخ 04/05/1991 ثم تبعها بتاريخ 06/07/1991  القانون 20 القاضي بتخفيض الشرائح الضريبية بما يقارب الثلث و في شهر تموز قام أحد كبار مدراء اديداس بزيارتنا في دمشق لمدة ثلاثة أيام و تركت في نفسه كل الحب والاحترام والتقدير للشعب السوري لما رأى من تفان بالعمــل و سلوك حضاري عند العمال في الشركة حيث قمنا في نهاية زيارته بدعوته إلى حفل أعياد ميلاد العمال في مزرعة الشركة. فقضى أربع ساعات شاركهم حفلة السمر والبرنامج الذي احتوى الكثير من النشاطات الفنية والترفيهية. وكانت تلازمه مترجمة خاصة تطلعه على كل صغيرة وكبيرة وتفسح له مجال الحوار مع العمال. وعند اختتام الحفل وجه كلمة  قال فيها:

” لقد زرت كل العالم تقريبا وكلما عدت بعد زيارة ما إلى أسرتي اشعر بالملل وأنا أحدثهم عن المتاحف والمطاعم التي زرتها ولكني اليوم اشعر بشوق كبير إلى الجلوس معهم لأخبرهم عما رأيت وسمعت من شعب حضاري يملك طاقات هائلة،ويعيش بمحبة وسلام وتعاون قلما رأيت مثله “

و عند وداعه أوعز لي أن أتقدم إلى شركة اديداس بطلب للحصول على ترخيص للسوق السوري. لم أصدق ما سمعت لأني افهم تماما معنى أن احصل على ترخيص بالتصنيع للسوق السورية من إحدى اشهر الشركات العالمية.

لقد عزز هذا الأمل الجديد الذي أضيف إلى صدور المرسوم رقم 10  إمكانية الاستمرار وتعويض ما تكبدته من خسائر .وتطورت مفاوضات التوكيل بسرعة  غير معهودة عند شركة اديداس .وفي أخر يوم عمل قبل عطلة عيد الميلاد  اصطحبت شريكي هشام منكش إلى ألمانيا لتوقيع عقد التوكيل الذي كان بشروط ميسرة جدا جعلت منه اثمن هدية بمناسبة عيد الميلاد.بالإضافة إلى هذا الأمل الكبير جاء مؤتمر  مدريد للسلام الذي عقد في تشرين الثاني فتعاظمت الآمال أكثر بالخروج من  الأزمة.

انسحاب الشريك هشام منكش عام 1992

بعد الحصول على توكيل اديداس بدأت و شريكي التحضير للاستفادة منه و من القانون رقم 10 .كان ذلك التحضير يتطلب استثمار أموال طائلة وجدنا انه لا يمكن الحصول عليها دون إعلان نسبة ربح مغرية للمستثمرين فقررنا إعطاء نسبة 21 %عن عام 91 رغم كل خسائر ذلك العام و الخسائر المدورة من الأعوام السابقة. ولكنني فوجئت فور إقرار النسبة بشريكي يطلب الانسحاب و الحصول على كل رأسماله الموظف منذ عام 1989 مع تقاضي نسبة أرباح أسوة بالمساهمين  .وكان خياري الوحيد هو الرضوخ لطلبه لأنني كنت الطرف الملتزم اتجاه المساهمين  رغم أن نصف الشركة مسجل باسمه الذي ادرج أيضاً في عقد توكيل اديداس وفي طلب الترخيص الذي قدمناه للاستفادة من قانون الاستثمار رقم 10 و كان أي خيار أخر يعني إعلان الإفلاس في تلك الظروف الصعبة من ناحية وضياع الآمال الذي يحملها المستقبل في السنين القادمة.

بنـاء مصــنع اديـداس”  جــرأة أم تهـــور   “؟

بعد انسحاب شريكي هشام منكش ،و اضطرار شركة حاكمة و درويش و سيف و شركاهم الى الإغلاق بسبب الضرائب الجائرة ، و الضغوطات الشديدة من الدوائر المالية على شركة داريا ، و الخسائر المخيفة المدورة ،وقفت حائرا أمام مسؤليتي اتجاه المساهمين و كلهم من الأهل و الأصدقاء و كان لا بد لي من اتخاذ قرار حاسم أما إعلان الإفلاس و تكبد خسائر إضافية نتيجة التصفية و ضياع كامل القيمة المعنوية لوكالة اديداس و التي تقدر بحدها الأدنى بـ 50 مليون ل.س ، مما يعني أن المساهمين قد لا يحصلون إلا على جزء بسيط من رأسمالهم قد لا يتجاوز 25 % أو الاستمرار مع الاستفادة القصوى من التسهيلات التي منحها قانون الاستثمار بإعفاء  سبع  سنوات من كافة الضرائب و استثمار توكيل اديداس بالشكل الأمثل  و مضاعفة الصادرات التي كانت في متناول اليد مما يوفر أرباحاً مجزية أستطيع من خلالها  إطفاء الخسائر على مدى خمس سنوات و اضمن الحفاظ على أموال المساهمين مع تحقيق أرباح إضافية إذا سارت الأمور طبقا للتوقعات التي يرجحها ما كنت املكه من أسباب النجاح .

لقد اتخذت قراري بالاستمرار و دخلت في سباق مع الزمن لان ضياع أية سنة إضافية يعني نهاية مأساوية و لحسن الحظ وجدت بناء جاهزا على الهيكل بمساحة 6000 م2 يملكه أحد أصدقائي و كانت أسعار  تلك الفترة ( صيف 92 ) في ذروتها حيث قدرت قيمة البناء بـ 60 مليون ل.س على وضعه الراهن و نتيجة العلاقة الحميمة مع المالك استطعت استئجار المكان مع شرط بناء نصاصي بمساحة 1200 م2 بالطابق الأول و إضافة طابق جديد كامل باجر سنوي يبلغ 9 مليون ل.س . و بدأت بالعمل المكثف على الفور و اصبح المصنع جاهزا للإنتاج و سارت الأمور على ما يرام .

و اكتملت الفرحة و زاد الأمل عندما قررت لجنة الترشيد المنعقدة بتاريخ 15/03/1993 السماح للشركة الجديدة استثنائيا باستيراد أحذية اديداس بنسبة 15 % من صادرات الملابس الرياضية و فعلا استطاعت الشركة أن تصدر ما يقارب 5 مليون دولار في سنة التأسيس  ( 1993 ) و افتتحت حوالي 30 منفذ لبيع المفرق في سورية لمنتجات اديداس الكاملة  . و كان  شراء ماجد الزايد لنصف الشركة الجديدة في منتصف عام 1993 عاملا هاما في توفير السيولة اللازمة مكن الشركة من العمل بطاقتها القصوى   كما يبين الجدول رقم 3 :

جدول رقم  3 صادرات شركة رياض سيف و ماجد الزايد( اديداس )

العـــامالصـادراتالمـــتورد
19934.949.794 $229.552   $
19949.999.824 $262.511   $
19956.909.251 $104.738   $
19964.841.258 $295.790   $
19976.625.00   $0

دخــولي المعـترك السـياسي:

 بعد ظهور نتائج انتخابات عام 1994 فوجئت بحصولي على أعلى أصوات بين المستقلين عن مدينة دمشق فئة ( ب ) وشعرت بحجم الأمانة الملقاة على عاتقي في الكفاح لتحقيق ما كنت قد قدمته في برنامج الحملة الانتخابية الذي يتلخص بضرورة قيام صناعة وطنية متطورة قادرة على تحقيق الرفاه و توفير فرص عمل لابناء الشعب.

قدمت مداخلتي الأولى عند مناقشة البيان الوزاري بتاريخ 15/11/1994 ، فلم ترق للحكومة حيث ورد فيها( أن المنشآت الصناعية في بلدنا لكي تتمكن من الاستمرار على قيد الحياة يجب أن تتمتع بقوى خارقة فهي متروكة لقدرها لتحل مشاكلها بنفسها وتتغلب على ما يوضع في عجلاتها من عصي.)كما بينت المداخلة مدى الضرر الناتج عن إهمال الحكومة للصناعة و تقدمت بـ 20 مطلبا محددا لإنقاذ الصناعة الوطنية توقعت أن تبدي الحكومة شيئا من الاهتمام و لكن المداخلة لم تلق إلا الاستخفاف و كأن نقاشات مجلس الشعب  مجرد كلام .

بتاريخ 12/03/1995 قدمت مداخلة بمناسبة إغلاق حسابات الموازنة العامة للدولة لعام 1993 بعد أن اطلعت بشكل دقيق على ما نواجه من مشاكل اقتصادية نتجت بمعظمها عن السياسة المالية الخاطئة للحكومة . و نوهت فيها عن خطر ما نعيشه من فوضى ضريبية و حذرت من الركود الاقتصادي الذي بدأ في تلك الفترة نتيجة سياسة الحكومة بسحب السيولة النقدية من التدوال عن طريق زيادة التحصيل الضريبي و عدم تنفيذ المشاريع الاستثمارية .و بدلاً من تجاوب وزير المالية و فتح الحوار للوقوف على حقيقة ما ورد في المداخلة قام بمقاطعتي أثناء تقديم المداخلة ثم بادر  بالإيعاز على نبش كل ما قمت به من نشاطات ابتداء من عام 1988 .و فرض ضرائب لا يقبلها عقل و لا منطق مع وضع حجوزات على ممتلكاتي و ممتلكات أبنائي و الإعلان عن بيع معمل ابني جواد بالمزاد العلني كما هو مبين بالجدول 4

جدول رقم 4  (  الإشعارات من 04/04/95 وحتى 24/11/96  )

الشركةسنة التكليفبتاريــخالنـوعالمبــلغ
القدم9104/04/95إخبار مؤقت6.707.105
داريا88 +8907/08/95إنذار8.094.569
88 +8928/08/95قرار حجز8.094.569
9001/10/95إخبار مؤقت10.684.150
8910/10/95بالمزاد العلني8.094.569
القدم9116/04/96فرض ضريبة6.992.589
داريا9010/07/96فرض ضريبة11.233.792
القدم9124/07/96إنذار6.992.589
داريا9021/08/96إنذار2.845.386
القدم9109/09/96قرار حجز6.992.589
داريا9009/09/96قرار حجز2.845.386
القدم9113/11/96ضبط حجز6.992.589
القدم9124/11/96نزع ملكية6.992.589

اسـتسـلام مـؤقت

في الفترة التي بدأت ضغوطات وزارة المالية ترهقني و تسببت لي الكثير من الخسائر المادية و المعنوية تلقيت دعوة من مدير مالية دمشق محمد أديب النوري أن التقي به في مكتبه ليبلغني أمرا يسرني كثيرا، و بدء حديثه  بتمهيد انه ابن حارتنا ويريد مساعدتي، وأنني لن اجني من  استمرار هجومي على وزارة المالية إلا مزيدا من الخسائر. و أضاف انه لا مانع من بعض النقد وأنا أنبهك على النقاط التي يمكنك أن تنتقد بها كما فعلت مع بعض زملائك في المجلس وبعد صدور الميزانية سأرتب جلسة مصالحة مع الوزير وأنا متأكد أن كل مشاكلك ستحل.

كانت الضغوط كبيرة علي في تلك الفترة فشعرت بان إبداء شيء من المجاملة لا يضير المصلحة العامة وسيحميني من كيد وزير المالية. وفعلا قدمت بتاريخ 10/04/1996 مداخلة بدأتها بالفقرة التالية:

[ لا شك أن النقد سهل ولكن العمل وتحمل المسؤولية يحتاجان إلى الكثير من الجهد والعناء وحتى نكون منصفين مع الحكومة الموقرة نقول كما قال الحديث الشريف “للمجتهد إذا أصاب أجران وإذا اخطأ اجر واحد”. وبحكم واجبنا كممثلين للشعب علينا أن نقوم بفرز الأخطاء إن وجدت وتسليط الضوء عليها والمساعدة في إيجاد افضل الطرق لتصحيحها. إن في الموازنة الكثير من السمات الإيجابية من أبرزها زيادة  النفقات الاستثمارية بنسبة 23.44 % مما يؤكد قناعة الحكومة بضرورة إسراع الخطى في زيادة الإنتاج وتحسينه لرفع قيمة الناتج القومي، كما أن اهتمام الحكومة بتوفير حوالي 90 ألف فرصة عمل هو أمر يستحق الثناء شريطة أن يساهم في زيادة الإنتاج وتحسين الخدمات وليس لمجرد تخفيف حدة البطالة ] .  و بعد هذه المقدمة المنافقة من إنسان مهزوم تابعت مداخلتي مخلصا لواجبي كعضو في مجلس الشعب مسلطا الضوء على أخطاء خطيرة في سياسة الحكومة المالية حيث تابعت قائلا:

[ إن السياسة المالية والاقتصادية وما ينظمها من قوانين هي من أهم العوامل المؤثرة في التنمية والتوازن الاجتماعي وان نظرة عامة للواقع الاجتماعي تظهر أن الطبقة المتوسطة في سورية تذوب سنة بعد سنة بفعل التضخم حيث يتحول القسم الأعظم منها لينضم إلى الطبقة الفقيرة وينتقل عدد محدود من المحظوظين أو ممن برعوا باستغلال الثغرات التي تخلقها القوانين القاصرة عن مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية لينضموا إلى طبقة الميسورين أو المفرطين في الثراء ]

و كانت بقية المداخلة مليئة بالحقائق المرة عن الأخطاء الاستراتيجية في السياسة الاقتصادية والمالية للحكومة. و رغم انها كانت صادقة بمجملها إلا أنني شعرت بالخجل من مقدمتها وعاهدت نفسي أن لا أعود إلى مجاملة الحكومة بغير حق مهما كلفني ذلك من خسائر.وبالطبع لم تقربني  من وزير المالية بل زادت من حقده ومن حنق كل المسؤولين عن السياسة الاقتصادية في الحكومة. وبعد أسبوعين ،وتحديداً بتاريخ 24/4/1996 قدمت مداخلة ثانية حول بيان لجنة الموازنة لعام 1996 سلطت فيها الأضواء على واقع اقتصادنا الأليم وهزالة ناتجنا القومي  وما تعانيه الأكثرية من ظلم اجتماعي واقتصادي. وكنت في كل مرة أقدم فيها مداخلة في المجلس أقاطع من قبل وزير المالية الذي يتهمني بالتهرب من دفع الضرائب مما اضطر السيد رئيس المجلس لأن ينبهه في إحدى الجلسات قائلاً ” إن الزميل رياض سيف يتكلم عن أمور عامة وأنت الذي يحول النقاش إلى هجوم على شخصه. ويجب أن تعلم أن لكل عضو في هذا المجلس أن يتكلم ما يشاء وما عليك سوى الرد عندما آذن لك بالحديث.” ثم طلب منه الجلوس والتوقف عن الكلام.

بتاريخ 07/12/96 قدمت مداخلة بمناسبة مناقشة إغلاق الموازنة العامة للدولة لعام 1994 عنونتها ” عصي وزارة المالية في عجلات الصناعة” فضحت فيها ما نعيشه من فوضى ضريبية  تقف مانعا أمام تطور صناعتنا الوطنية ثم اتبعتها في 21/12/96 وبنفس المناسبة بمداخلة أوضحت فيها ،وبأرقام مأخوذة من الجداول التفصيلية لقطع حسابات 94 ،حجم التناقضات في تنفيذ ميزانية الدولة مسلطاً الضوء على التحصيل العشوائي و قد  ورد فيها ما يلي :

” إن الفترة الزمنية بين إقرار موازنة 94 في مجلس الشعب ونهاية السنة الجارية للضرائب ثمانية اشهر، كيف نستطيع أن نستوعب زيادة في التحقيقات للإيرادات الجارية للضرائب والرسوم بلغت 175 % وكلنا يعلم أن وزارة المالية ومنذ سنوات طويلة لا تعترف على أية ميزانية تقدم لها من فعاليات القطاع الخاص وان الطريقة المتبعة في وزارة المالية هي تقديرات مزاجية من أناس غير مؤهلين ولا يحملون أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة قد أعطوا صلاحيات غير محدودة لفرض ما يشاءون من ضريبة مستعملين ما منحوا من تفويض في حجز أموال أملاك المواطنين ومصادرتها وحجب براءات الذمة عمن يعترض على قراراتهم الجائرة “

الركود الاقتصادي في سورية الأسباب والحلول

اشتدت وطأة الركود الاقتصادي وبدأت آثاره السلبية تتفاقم لذلك وجدت من واجبي أن أطلق صرخة تحذير عبر دراسة من سبع صفحات بعنوان “الركود الاقتصادي في سورية: الأسباب والحلول” بتاريخ 14/09/1996 وزعتها على أعضاء السلطتين التشريعية و التنفيذية و غيرهم من المهتمين بالاقتصاد و قد لاقت  انتشاراً واسعاً وكثر الحديث حولها وتم نشر العديد من التحليلات عنها كان اخرها ما نشرته  “نضال الشعب” بتاريخ 06/02/1997 بقلم الباحث الأستاذ محمد الجندي الذي ختم مقالته بالمقطع التالي :

“إن الإصلاح الاقتصادي مهما كانت وصفاته يتطلب أن تبقى الإدارة وطنية وان يحافظ على استقلال البلاد السياسي والاقتصادي، وكل أنواع الخلل الاقتصادي المذكورة في نشرة السيد رياض سيف هي نتائج تفصيلية لكون إدارة الاقتصاد الحالية هي واقعيا غير وطنية و أول خطوة للخروج من ذلك هو أن تعمل الإدارة السياسية على بناء إدارة اقتصادية وطنية. ” 

وعند قراءتي لذلك المقال شعرت بأنه رغم موضوعيته في مجمل المقال فإنه استسلم تحت تأثير غيرته الشديدة على المصالح الوطنية لانفعالات ساقته إلى صب جام غضبه على إدارة الاقتصاد في الحكومة. وفهمت أنا من عبارة “إن إدارة الاقتصاد الحالية هي واقعياً غير وطنية” أن النتائج السيئة للسياسة الاقتصادية سوف تؤثر على قوة الوطن ومنعته.في اليوم التالي قمت بزيارة لرئيس مجلس الوزراء في مكتبه  لأشرح له شخصياً وجهة نظري ففاجأني بقوله “هل أنت الوحيد الوطني؟ ونحن لسنا وطنيين؟ حسناً يمكنك أن تقول ما تشاء وتكتب ما تشاء ونحن سنفعل ما نشاء.”و خرجت من مكتبه وأنا مؤمن بان حربا ضارية سوف تشن ضدي. وبالفعل انهال علي سيل من  الإشعارات من وزارة المالية بلغ عددها 48 إشعارا كما هو مبين بالجدول رقم (5). واتخذت مجموعة من القرارات التي ألحقت بنشاطي خسائر فادحة و أهمها:

توقيف السماح باستيراد أحذية اديداس

قررت لجنة الترشيد  بجلستها المنعقدة بتاريخ 23/06/97 توقيف العمل بقرار السماح لنا باستيراد الاحذية مما كبد شركة “رياض سيف وماجد ” المشمولة بقانون الاستثمار خسائر مادية تزيد عن 50 مليون ل. س يضاف إليها توقف شركة اديداس العالمية نتيجة القرار المذكور عن استيراد الملابس من شركتنا علما أن مجموع صادراتنا في فترة السماح باستيراد الأحذية وصل إلى (1.335.000.000) ل. س بينما لم تتعدّ مستورداتنا من الأحذية بنفس الفترة (44.600.000) ل. س أي بنسبة 3.34 %  من الصادرات مع أن نسبة الجمارك على الأحذية المستوردة تصل إلى 102 % بتحديد سعر صرف الدولار 23 ل. س كما تتقاضى مؤسسة غوتا الحكومية 5 % عمولة على المستوردات. وقد بلغ ما دفع بإيصالات رسمية للجمارك (25.436.000 )  ل.س. يضاف إليها 5 % عمولة غوتا أي أن خزينة الدولة تتقاضى نسبة 57 % من قيمة مستورداتنا من الأحذية.و  قد فتح قرار المنع من استيراد الأحذية الباب واسعا أمام المهربين للحصول عليها من لبنان .

مصادرة حق الشركة بالحصول على قرض مصرفي 

في شباط عام 1997 تقدمت “شركة رياض سيف وماجد الزايد” بطلب قرض لتمويل المواد الأولية وعقود التصدير. وبعد المماطلة والتسويف لأكثر من ستة اشهر ورغم وجود كل الضمانات المطلوبة وتوفر كل الشروط فان المصرف رفض منحنا أي قرض و  عندما سألت عن السبب كانت الإجابة هي عدم موافقة وزارة المالية بسبب تأخري عن دفع الضرائب عن سنين سابقة.  بينما قدم في نفس الفترة لمستثمر واحد مشمول بقانون الاستثمار قرضان الأول بمبلغ 96 مليون لشركة تعبئة للمياه الغازية تحت بند شراء مواد أولية  محلية علما أن هذه الشركة  لا تستعمل من تلك المواد المحلية إلا المياه لتي تقدم مجانا وبعض العبوات البلاستيكية لجزء من إنتاجها ( لان الجزء الباقي هو عبوات من الألمنيوم ومكثفات وملونات  يتم استيرادها ). وأما القرض الثاني الذي قدم لنفس المستثمر فبلغ  70 مليون ل.س لشركة شبه متوقفة عن العمل قسم إلى 40 مليون ل. س لشراء مواد أولية و30 مليون ل. س يسدد لمدة 5 سنوات لتمويل خط جديد للإنتاج. على الرغم من ان الخط القائم يعمل بجزء بسيط من طاقته .

بتاريخ   17/2/1997 نشرت جريدة البعث ملخصاً عن المداخلة التي كنت قد قدمتها أمام المجلس بتاريخ 7/12/1996 وتعرضت فيها لما تسببه الفوضى الضريبية من أذى للصناعة الوطنية، فبادر المكتب الصحفي في وزارة المالية إلى نشر رد مطول في نفس الصحيفة .وكان رداً مليئاً بالمغالطات يتهمني فيه بالتهرب من دفع الضرائب و يتوعدني بما هو أقصى و أمر  ومما ورد فيه الفقرة التالية:

 “أما مصدر المعلومات للمستثمر المحلي( يعني رياض سيف ) ووجهة النظر التي عرضها عبر المقال فالأمر يختلف لأن الأمر معروف للدوائر المالية ويعرفها هو أيضاً. فقد ترتب على المذكور ضرائب بملايين الليرات منذ عدة سنوات عن أرباحه من صادراته إلى الاتحاد السوفييتي ( سابقاً ) ورغم منحه جميع التسهيلات والفرص من تقسيط وغيره لمساعدته على السداد فإنه لم يلتزم بالتسديد حتى الآن مما اضـطر الدوائر المالية لاتخاذ الإجراءات القانونية لتحصيل حقوق الخزينة العامة. ولعل هذا المقال يشكل إحدى وسائل ومحاولات الضغط على الدوائر المالية رداً على أية إجراءات قانونية لتحصيل حقوق الخزينة العامة لكن مثل تلك المقالات لم تثنها عن القيام بواجباتها القانونية النافذة لتحقيق العدالة.”

لقد اتسم الرد باستخفاف واضح بأعضاء مجلس الشعب من خلال اطلاق تسمية ” مستثمر سوري” بدلا من عضو مجلس الشعب كما اظهر بشكل مفضوح الحقد و الكيدية من خلال التهديد و الوعيد الذي وجهه لي .

جدول رقم ( 5  )   48 إشعارا من 9/3/97 حتى 15/12/98

 شركةسنةبتاريخنوع التبليغمبلغ الضريبة
1القدم9109/03/97بالمزاد العلني6.992.589
2داريا9216/03/97إخبار مؤقت4.069.233
3داريا9417/03/97إخبار مؤقت216.160
4داريا9320/03/97إخبار مؤقت1364351
5القدم9220/03/97إخبار مؤقت762.749
6داريا9126/03/97إخبار مؤقت7.623.964
7حاكمة9207/04/97إخبار مؤقت2.433.538
8حاكمة9207/04/97إخبار مؤقت542.316
9القدم9226/05/97إنذار1.922.700
10القدم9226/05/97إنذار4.313.483
11القدم9228/05/97فرض الضريبة1.017.177
12القدم9228/05/97فرض الضريبة1.079.947
13القدم9228/05/97فرض الضريبة2.204.529
14القدم9328/05/97فرض الضريبة1.029.007
15القدم9130/06/97فرض الضريبة237.060
16القدم9221/07/97حجز4.313.483
17القدم9121/07/97إنذار237.060
18القدم9121/07/97حجز7.019.746
19داريا9222/07/97إنذار5.403.720
20داريا9230/07/97فرض الضريبة5.403.720
21مريدن8830/07/97إخبار مؤقت859.945
22القدم9507/09/97إخبار مؤقت279528
23داريا9224/09/97حجز5.403.720
24مريدن8813/10/97إنذار1.370.710
25مريدن8815/10/97فرض الضريبة1.370.710
26القدم9519/10/97فرض الضريبة312.480
27مريدن8827/10/97حجز1370.710
28القدم9502/11/97إنذار312.480
29القدم9406/11/97فرض الضريبة817.861
 شركةسنةبتاريخنوع التبليغمبلغ الضريبة
30داريا9328/12/97نزع ملكية6.729.690
31داريا9328/12/97نزع ملكية6.729.690
32القدم9530/12/97حجز200.480
33القدم9525/01/98بيع مزاد علني11.174.419
34داريا9414/02/98لجنة فرض196580
35داريا9114/02/98لجنة فرض10.258.891
36داريا9425/05/98لجنة فرض1816
37حاكمة9228/06/98لجنة فرض3.332.486
38حاكمة9228/06/98لجنة فرض822.082
39القدم9422/07/98إنذار817.816
40داريا9124/07/98بالمزاد العلني1.258.891
41داريا9124/08/98قرار حجز10.258.891
42القدم9424/08/98قرار حجز817.861
43حاكمة9223/09/98إنذار4.154.568
44حاكمة9209/11/98قرار حجز2.798.584
45القدم9409/11/98حراسة مالية817.861
46مريدن8819/11/98فسخ قرار1.370.710
47داريا8821/11/96إشارة حجز1.052.290
48داريا9215/12/98بالمزاد العلني6.729.690

لقد فرضت جميع الضرائب المذكورة في الجدول (5) على بيع مخلفات العقود الروسية التي لم نتمكن من شحنها  وكذلك على أجور تصنيع  صادرات الإدخال المؤقت حيث فرضت المالية نسبة ربح 14 % ووصلت ضريبتها إلى اكثر من 14 % من مجمل عائدات التصدير لعام 1991 و ما قبل .

و وصل ما تطالبني به المالية من ضرائب (48.576.000) ل.س ليصل مجموع ما تم فرضه على نشاطي الصناعي من ضرائب 112.502.194 ل.سكما يبن الجدول رقم (6 ) قابلة للزيادة باحتمال فرض ضرائب مفتعلة جديدة على الرغم من كل الخسائر الواضحة حتى للدوائر الضريبية ووزير المالية بالذات .

و لكن الحقيقة هي ان تصفيتي كصناعي هو المطلوب لتفريغي من مصدر قوتي الاساسي الذي كان السبب في شهرتي و دخولي مجلس الشعب و قد صرح احد الوزراء السورين عندما قدمني لوزير عربي حين قال ” رياض سيف بدأ عصامي و انهيناه عصامي “

جدول رقم 6 التكاليف الضريبية

عن عام  بتاريخشركةإجمالي الضريبة مع الغراماتالضرائب المسددة قبل المرسوم/2/99
198892داريا11.558.9843.200.000
19899319.750.48512.609.811
19909611.372.8738.388.406
19919810.258.891 
1992975.403.720 
1993971.325.970 
199498196.580196.580
المجمــــــوع 59.867.50324.394.797
1987 القدم6.914.7906.638.200
1988 5.019.7485.091.748
19899213.576.86713.576.867
1990944.246.7574.246.757
1991966.992.589 
199197237.060237.060
1992972.204.529 
1992971.079.947 
199297192.700 
1993971.029.007 
199497817.861219.000
199597312.480312.480
المجمـوع42.624.33530.322.112
199193حاكمة4.485.7884.485.788
1992983.332.486 
199298822.082 
المجمــــــوع8.640.3564.485.788
ضريبة المكتب عن عرفان مريدن1.370.000 
المجمـــوع الـــــعام112.502.19459.202.697

اتهامي كجامع أموال

في صيف 1963 انطلقت شركة سيف إخوان برأسمال قدره 2800 ل.س وفي أخر ذلك العام أصاب والدي مرض منعه من العمل فقام ببيع حصته في المنشرة بمبلغ 13000 ل.س وكان رأسمالنا مع الأرباح في بداية 1964 قد وصل إلى 7000 ل.س أضفنا إليه 13000 ل.س فاصبح المجموع 20000 ل.س مما أعطانا الفرصة في التوسع السريع

كانت أرباح عام 1964 مجزية بلغت نسبتها 27 % أي أن ما حصل عليه والدنا في ذلك العام  3510 ل.س بينما كان دخله في العام الذي سبق مرضه 3000 ل.س مقابل رأسماله و جهده طيلة العام .الأمر الذي جعله يتكلم عن هذه النتيجة في كل مناسبة مما حفز بعض أفراد الأسرة ممن يملكون فائضاً من المال على المساهمة في شركتنا

عام 1984 انفصلت عن اخوتي و أصبحت شركتي مستقلة يتألف رأسمالها من رأسمالي الشخصي ورأسمال المستثمرين من أصدقائي وأقربائي ، وحتى بداية عام 1990 كانت القاعدة أن لا يتجاوز رأسمال المساهمين 50 % من إجمالي راس مال الشركة .

قبل حوالي الشهرين من صدور القانون 8 لعام 1994  المتعلق بجامعي الاموال دعيت لاجتماع في مكتب وزير الاقتصاد حضره وزير المالية وحوالي 12 من رجال الأعمال، و قدم السيد وزير الاقتصاد خلاله  أمثلة عن حالات التلاعب عند بعض من يستثمرون أموال الغير بسوء نية في حلب ويدفعون أرباحاً خيالية لا يمكن الاقتناع بأنهم يحققونها .وأبدى رغبته بالوقوف على مدى حجم هذه الظاهرة في دمشق وبدأ بسؤال كل على حده إذا كان لدينا استثمارات للغير. وكان جواب من سألهم قبلي الإنكار. وعندما جاء دوري قلت نعم لدي اكثر من 250 مليون ل.س، و أردفت  بغضب  أنكم السبب في كل ما تعرضت له من خسائر ، و لا بد من تعويض الظلم الذي تعرضت له. وأنا على يقين من أن وشاح أمية سوف يوضع على كتفي بيد السيد الرئيس حافظ الأسد، لأنني أؤمن أن ما كافحت من اجله سوف يلقى كل الإكبار عندما تتضح الحقيقة. وتابع السيد الوزير سؤال الباقين فأنكروا جميعاً بمن فيهم باشايان الذي كان أخر من وجه له السؤال.

بتاريخ 20/06/1994  صدر القانون رقم 8 مما وضعني أمام مشكلة جديدة حيث كان عدد المساهمين في شركتي عند صدوره ما يقارب الـ 400 شخص و إن تطبيقه بحرفيته يعني تدمير شركة رياض سيف و ماجد الزايد التي وصل عدد عمالها آنذاك إلى 1150 عاملاً و صدرت عام 1994 بمبلغ 10 مليون $ إلى دول الاتحاد الأوروبي

في نهاية عام 1995 وافق جميع المساهمين على عدم التقيد بالقانون و منحوني فرصة ثلاث سنوات لإعادة رؤوس أموالهم مع إعفائي خلالها من دفع الأرباح و قياسا بالنتائج الجيدة التي حققتها الشركة عام 1995 فقد كنت واثقا من إمكانية تحقيق ذلك الاتفاق دون إعاقة العمل في الشركة لكن الامور في الاعوام 95-96-97 لم تسر الأمور كما كنت أتوقع فالأضرار التي نتجت عن مضايقات الحكومة في تلك الفترة أضافت خسائر مادية و معنوية جديدة و منعتني من تنفيذ التزاماتي اتجاه المساهمين رغم أني تلقيت دعما من بعض الأقارب و الأصدقاء بمبلغ يتجاوز 25 مليون ل.س كقروض بدون فوائد أو على شكل هبات .

في بداية عام 1998 اضطررت إلى بيع حصة جديدة من الشركة نسبتها 30 % و لم يبقى لي فيها سو 12 % إضافة إلى 8 % مسجلة باسم ابني المفقود و لا يمكن التصرف بها  و كان ذلك العام سيئا للغاية حيث سارت كل الأمور بعكس مصلحة الشركة مما نتج عنه تكبد خسائر جسيمة فلجأت مرة أخرى إلى اخوتي الذين قدموا قروضا جديدة بدون فوائد بمبلغ 10 مليون ل.س .

في بداية عام 1999 اضطررت إلى بيع ما تبقى من حصتي في الشركة و البالغة 12 % و ذلك لسببين رئيسيين الأول حاجتي الماسة لتسديد التزاماتي تجاه المساهمين و الثاني هو أن وجودي في الشركة اصبح عبئا ثقيلا عليها لما باتت تتلقاه من ضربات موجعة تكبدها افدح الخسائر المادية و لما أصابها من أضرار معنوية نتيجة الحجوزات المتكررة على حصتي فيها و على كل حساباتها في المصارف السورية و منعها من الحصول على أية قروض

لقد كان قراري بالانسحاب من “سيزا – اديداس ” من اصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي لأنه عبر ست سنوات من تأسيسها نمت علاقة روحية أبوية بيني و بين جميع العاملين الذين  تعود علاقتي مع الكثير منهم إلى عام 1980 وان فك رباط هذه العلاقة المقدسة و المتميزة ليس بالأمر السهل

لقد سعيت بكل ما أستطيع لضمان حقوق المساهمين و إعادة أموالهم أو جزء منها كلما سنحت لي الفرصة و ارتضيت لنفسي أن أعيش حياة بسيطة بالحد الأدنى الذي يوفر لي الكرامة فبعت كل ما يمكن بيعه حتى تقلصت تلك المبالغ بشكل ملحوظ .و هنا لا بد لي من التنويه إلى ما لقيته من تفهم و تضامن من قبل الأكثرية الساحقة من المساهمين و ما تلقيته من دعم و مساعدة من عدد من الأهل و الأصدقاء الأمر الذي مكنني من الحفاظ على كرامتي و مصداقيتي التي بت لا املك غيرها .

تكثيف المضايقات الضريبية عام 1998

بدأ عام 1998 بإعلان بيع مكتبي بالمزاد العلني بتاريخ 25/01/1998 وبعد ثلاثة أسابيع وبتاريخ 14/02/1998 تبلغت بفرض ضريبة جديدة على معمل داريا عام 1991 بلغت 10.259.000 ل. س ثم في اليوم التالي عرض معمل ابني جواد سيف للبيع بالمزاد العلني.

 وفي 28/06/1998 فرضت ضريبة جديدة على معمل حاكمة بمبلغ 4.154.000 ل.س عن عام 1992 مع العلم بان المعمل كان قد اغلق بسبب الخسائر   وتم الحجز على جميع المالكين وورثتهم حيث كان قد توفي أربعة من الشركاء الأصليين .

قبل أسبوع من الانتخابات أقامت وزارة المالية حراسة مالية بصحبة رجال الشرطة على شركة “رياض سيف وماجد الزايد “في فترة الانتخابات، وقبل (48) ساعة من يوم الانتخاب أي بتاريخ 28/11/1998 وفي ذروة الحملة الانتخابية نشرت جريدة تشرين في صفحة رئيسية وبأحرف بارزة إعلاناً عن بيع مكتبي المخصص لنشاطات  مجلس الشعب، في المزاد العلني.

انتخابات الدور التشريعي السابع

مع انتهاء الربع الأول من عام 1998 كنت قد استنفذت كل قدراتي على الاحتمال تحت ضربات الحكومة الموجعة و قررت الاستسلام و الانسحاب من المعترك السياسي لأنني خسرت كل ما املك و بقيت مطالبا بضرائب لا طاقة لي على دفعها و كنت اعلم أن مزيدا من المضايقات سوف يستمر ضدي . لقد وجدت انه ثمن باهظ يدفع دون جدوى فعلى الرغم من   كل كفاحي خلال وجودي في المجلس فان الأمور كانت تسير من سيئ إلى أسوء فيزداد التدهور الاقتصادي و ينمو الفساد و يعم الظلم

في تلك الفترة حضر اثنان من الصحافيين من جريدة تشرين لتسجيل حوار معي عن هموم  الاقتصاد السوري فأبلغتهما أنني قررت اعتزال العمل السياسي. فما كان منهما إلا الإصرار فقلت كيف أتكلم وأنا لا أريد قول غير الحقيقة وأنتم تعلمون أن الحقيقة مرة وقد لا تستطيعون نشرها فقالوا بكل إصرار أنهم مخولون بنشر الحقيقة مهما كانت. وهكذا تم تسجيل الحوار الذي نشر بالفعل في تشرين الأسبوعي بتاريخ  22/06/1998   تحت عنوان “حوار ساخن مع رياض سيف” في صفحتين كاملتين مع صورة كبيرة وتنويه بأهميته في الصفحة الأولى .

وبعد فترة وجيزة عرض التلفزيون السوري بالصوت و الصورة مداخلتي في مجلس الشعب حول الجدوى الاقتصادية لزراعة القطن إضافة إلى ردود  رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة ورئيس اتحاد الفلاحين وكل ما دار في تلك الجلسة من نقاش مع  رئيس الوزراء. كانت تلك  المرة الأولى خلال أربع سنوات التي تقدم فيها إحدى مداخلاتي في المجلس على التلفزيون بالصوت و الصورة وكان هذا تغيير واضح في تعامل وسائل الإعلام مع ما أقوله وأكتبه. وبعد أسبوع نشرت تشرين وعلى صفحة كاملة تفاصيل نفس الحوار الذي بثه التلفزيون .

في نفس الفترة أيضاً صدر كتاب بعنوان “الحقيقة القومية و الاسترتيجية الديمقراطية في فكر حافظ الأسد” للدكتور رياض عواد و جهاد الاحمر الذي اختار له بمثابة الخاتمة  إحدى الدراسات التي كنت قد نشرتها قبل فترة بعنوان “الإدارة هي وحدها المسؤولة عن النتائج”.

في هذه الفترة  بدأ الحديث عن انتخابات ديمقراطية للدور التشريعي السابع حيث تم إصدار البطاقات الانتخابية لضمان نزاهة الاقتراع،و كثرت التوقعات باتخاذ خطوات أخرى على طريق تفعيل الديمقراطية .

كل ما سبق من تطورات جعلني أعيد النظر في قراري بعدم ترشيح نفسي. و بقيت أمامي مشكلة تمويل الحملة الانتخابية والتي تبلغ في حدها الأدنى أربعة ملايين ليرة سورية. وعند انتشار الخبر بين العاملين في الشركة قررت الغالبية العظمى منهم المبادرة إلى التبرع إصراراً منهم على أن أرشح نفسي، فجمعوا  625000 ل.س وكان ذلك بمثابة فتح الباب أمام حملة تبرعات شارك فيها أفراد العائلة بكلفة طعام الوكلاء خلال يومي الانتخاب حيث بلغت حوالي 1.800.000 ل.س.وكذلك كان تجاوب بعض الأصدقاء الصناعيين كبيراً ومشجعاً هو الآخر.حيث قدم احدهم كل المطبوعات اللازمة مجاناً . لذا تمكنت من ضمان المال اللازم وقدمت ترشيحي بقوة وإصرار. كنت مصمماً منذ البداية على أن تكون حملتي الانتخابية جريئة وواضحة تتناول بالمعالجة كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة.

اعتادت دمشق أن تفتتح الحملة الانتخابية البرلمانية باجتماع  في غرفة التجارة يستضيف كلاً من  أمين فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي والمحافظ ويدعى إليه عدد كبير من رجال الأعمال. وفي الاجتماع الذي افتتح الحملة الانتخابية للدور السابع تكلم الدكتور علاء الدين عابدين أمين الفرع بطريقة إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه يعيش بعيداً عن معاناة المواطنين وهمومهم اليومية حيث قدم صورة مثالية خيالية عن ما نعيشه في سورية مصوراً الاقتصاد السوري كأحد أقوى الاقتصـاديات

 في العالم. فهو يقف على أرضية راسخة ويتقدم بسرعة فائقة فاقت كل الاقتصاديات الأخرى. كما تكلم عن المجتمع السوري الذي ينعم بالرفاه والنعيم لدرجة تحسده عليها معظم الشعوب الأخرى. وتطرق بعدها إلى الديمقراطية في سورية  فوصفها بأنها مثالية وأن الشعوب الأخرى تدرس إمكانيات الاستفادة من تجربة التعددية السياسية الفريدة من نوعها والتي تعتبر من أفضل الأنظمة الديمقراطية في العالم.

لقد استفزتني كثيراً الطريقة  السطحية والفوقية التي تكلم بها السيد أمين فرع الحزب وعندما أتيحت لي فرصة التحدث قلت:

 أن الصورة التي سمعناها من السيد أمين الفرع تأتي من منظار إنسان يجلس على كرسي السلطة، وهي مناقضة تماماً لما يراه الشعب من منظاره وانتقلت إلى تحليل الواقع الأليم الذي يمر به الاقتصاد السوري والمأزق الذي يواجهه وطرحت التساؤل من أين لشعبنا أن يعيش بالرفاه وهناك كما يعلم الجميع حوالي مليون ونصف المليون أسرة تعيش على رواتب الدولة التي لا تكاد تكفي بضعة أيام في الشهر. كما أن الفلاحين  والعمال وموظفي القطاع الخاص ليسوا أحسن حالاً حيث تشكل هذه الشرائح مجتمعة حوالي 80% من السكان. وهم يعيشون تحت خط الفقر إذا لم يستعينوا بمدخراتهم. أما عن الديمقراطية فقلت أننا اليوم أمام استحقاق جديد وأن المواطن يفتح كشف الحساب ويتساءل ماذا فعلنا في الدور التشريعي السابق. وأنا شخصياً عندما أتعرض لمثل هذا السؤال أشعر بالحرج الحقيقي والخجل لأننا لم نفعل شيئاً ذا قيمة في الواقع إذ كان الدورً المذكور عقيماً ومن واجبكم يا سيادة أمين الفرع ويا سيادة المحافظ في هذه الجلسة  أن تعيدوا الأمل للجمهور الذي أصابه الإحباط الشديد بعرض خطواتكم المقبلة على صعيد تفعيل الديمقراطية. إذ كيف يؤمن المواطن بالديمقراطية وقد شاهد بأم عينه أكياس الخيش الكبيرة المحشوة بالبطاقات الشخصية تنتقل من مركز انتخابي إلى آخر وشاهد بالعين المجردة كيف أن بعض المرشحين قد حصلوا في صناديق معينة على عدد من الأصوات يفوق أضعافاً عدد الناخبين المتواجدين في الدائرة الانتخابية المعنية. وتابعت قائلاً بأنني رشحت نفسي مجدداً لتفاؤلي بوجود نية صادقة عند القيادة السياسية بإدخال جرعات ديمقراطية حقيقية بدأت بشائرها مع إصدار البطاقات الانتخابية الجديدة.

 وما إن انتهيت حتى صب الدكتور عابدين جام غضبه علي متهماً إياي بالتهرب من الضرائب وتشجيع التطبيع مع إسرائيل. وعندما سألته عن مصدر هذا الحكم أجاب بأنه من مقابلة أجرتها صحيفة الحياة معي عقب نجاحي في الدور التشريعي السادس نهاية عام 1994. فتوجهت إلى كل الحاضرين بالقول أنكم شهود عدل وأنا أشهد أمامكم بأنني ضد التطبيع مع إسرائيل جملة وتفصيلاً.

بعد تلك الجلسة مباشرة انهالت علي النصائح بسحب ترشيحي والاعتذار عما بدر مني من “خرق” لتقاليدنا الديمقراطية العتيدة. أما أنا فقد خرجت من الجلسة أكثر إصراراً من أي وقت مضى فبادرت من فوري إلى كتابة بيان انتخابي من صفحتين حاولت أن أضمنه بشكل مكثف وواضح ما يعانيه شعبنا من هموم وأن أستكشف الطريق الأمثل من وجهة نظري لبناء مجتمع القوة والمنعة والرفاه. ونظراً لصعوبة إيصال البيان إلى كل الناخبين فقد قررت تلخيص ما جاء فيه بشعارات معبرة تعلق في أرجاء دمشق. وتقيداً مني بقانون الانتخابات قصدت محافظة مدينة دمشق لإيداع ثلاث نسخ من جميع المواد التي أريد استخدامها في حملتي الانتخابية، لكن رئيس الدائرة التشريعية بالمحافظة، وبعد أن قرأ بعناية البيان و الشعارات، خلص إلى أن مثل هذه الدعاية الانتخابية تتطلب موافقة لجنة أمنية. وعندما سألته عن القانون الذي ينص على ذلك قال بأنه لا يوجد مثل هذا القانون إنما هو عرف. فقلت بأنني من الذين يؤمنون بأننا نعيش في دولة قانون وليس في دولة أعراف، فاستلم النسخ وهو يحذرني من البدء بحملتي الانتخابية قبل الحصول على موافقة أمنية.لم أكترث بهذا التحذير لعلمي أنني أعمل ضمن ما ينص عليه القانون، لذا قمت فوراً بتوزيع بياني الانتخابي وتعليق حوالي 1100 لافتة تحمل الشعارات المذكورة التي بدأ المواطنون على الفور بالتفاعل معها. وبعد يومين تم استدعائي على جناح السرعة من قبل المحافظ الذي بدا منذراً ومحذراً من خطورة ما أقدمت عليه. وخلال نقاش دام أكثر من ساعتين لم نستطع التوصل إلى حل.

  في اليوم التالي قمت بتوجيه كتاب مقتضب لسيادة الدكتور بشار الأسد يوضح ما حصل من ملابسات وأرفقت معه نسخاً من برنامجي وشعاراتي الانتخابية ومقابلة “الحياة”. سلمت الكتاب في الثانية عشرة ظهراً وفي السابعة مساءً تلقيت مكالمة هاتفية من السيد الأمين القطري المساعدلحزب البعث  أكد خلالها أنه لا يحق لأحد أن ينتقص من حقك المشروع في الدعاية الانتخابية التي تريد.

شعرت بعد هذه المكالمة بشيء من الأمان وبادرت على الفور إلى تنظيم لقاءات حوار ديمقراطي في مضافتي تم اختيار مواضيعها بدقة لتشمل أغلب مناحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية. وجرت تلك اللقاءات بنجاح منقطع النظير وكانت برهاناً أكيداً على مدى تعطش شعبنا إلى الحوار الصريح وقدرته على الاستفادة من المناخ الديمقراطي الحقيقي.

لقد اجتمعت ضدي كل القوى التي تنعم بمكتسبات الفوضى الاقتصادية والفوضى الاجتماعية في محاولات يائسة لتشويه سمعتي وكان لزاماً علي أن أناضل على كل الجبهات وأترك لصناديق الاقتراع القول الفصل. وفعلاً حصلت على 184520 صوتاً موزعة بنسب متقاربة على جميع المراكز المنتشرة في مدينة دمشق.رغم بعض حالات التزوير الاكيد الذي مارسته ضدي بعض الاطراف ¨·

طلب تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق:

كانت نتائج شركة رياض سيف وماجد الزايد لعام 1998 سيئة للغاية حيث تعرضت لخسائر كبيرة نتيجة الاسباب التي اتيت على ذكرها و نتيجة الضعف الشديد التي شهدته القوة الشرائية في الأسواق المحلية من ناحية أخرى. كما أن مصادرة حسابات الشركة في المصارف المحلية و أدت الحجوزات المتكررة على أموالي وطرح مكتبي في المزاد العلني أديا إلى تحفظ شديد في التعاون مع الشركة من قبل الموردين المحليين والمستوردين الأجانب. هذا إضافة للعوامل الأخرى مثل أزمة جنوب شرق آسيا التي تسببت بانخفاض الأسعار العالمية. كذلك انخفاض قيمة العملات الأوروبية مقارنة مع الليرة السورية.

فتوجهت إلى رئيس مجلس الشعب مطالبا بتشكيل لجنة من أعضاء المجلس للتحقيق بالمعاملة الكيدية التي تعرضت لها والعمل على إنصافي وإعادة حقوقي. لكن رئيس المجلس رفض الاقتراح وتعهد أن يسعى لمساعدتي بالتوسط عند رئيس الوزراء. وبعد مرور اكثر من شهر شعرت بأنني لا ألقى إلا التسويف والمماطلة فتقدمت بكتاب مسجل إلى وزير المالية، فدعيت بعد أسبوع إلى اجتماع في مكتبه حضره أربعة من معاونيه. وبعد ساعتين تبين لي أن الاجتماع لم يكن يهدف إلا إلى ذر الرماد في العيون والظهور أمام من توسط لإيجاد حل لمشكلتي من المسؤولين في الدولة على أن الوزير مهتم بذلك وانه قد أضاع ساعتين من وقته الثمين من اجلي. ومع ذلك قامت لجنة إعادة النظر بدراسة ستة تكاليف و اجرت عليها تخفيضا على النحو التالي:

جدول رقم 7 التكاليف الضريبية التي خفضت

اسم الشركةالضريبة مع الفوائد والغراماتالضريبة بعد المرسومالضريبة بعد التخفيضمبلغ التخفيض
داريا 9110.258.8916.654.4164.752.2551.902.161
داريا925.403.7203.761.5512.507.6131.253.938
داريا931.325.970989.860411.392578.468
حاكمة923.332.4862.256.2681.065.3661.190.902
حاكمة92822.082494.356353.656140.700
قدم916.992.5895.097.0463.757.5791.339.467
المجمـوع28.135.73819.253.49712.847.8616.405.363

و نظرا للأضرار الجسيمة التي أصابت الشركاء المنسحبين من شركة قباني وحملي وسيف نتيجة الحجز على ممتلكاتهم إضافة إلى قناعتهم باني غير قادر على التسديد قرروا دفع المبالغ التي كانت تطالبهم بها وزارة المالية والبالغة 9.782.319 ل.س وذلك ليتمكنوا من الاستفادة من  مرسوم الإعفاء وبذلك يكون المبلغ المتبقي المتوجب علي دفعه 14.570.802 ل. س وفي نفس الوقت حصلت على حكم قضائي باسترجاع الفوائد والغرامات التي تم تسديدها عن سنوات الإعفاء الصناعي لمعمل داريا والبالغة 5.814.603 ل. س وبذلك  يكون المبلغ المتوجب الدفع 8.756.199 . فلجأت إلى وزير الاقتصاد لمساعدتي في الحصول على قرض متوسط الأجل يمكنني من إغلاق ملف تلك المأساة مع وزير المالية فأبدى تعاطفاً شديداً، ولكنه اعتذر بسبب وجود الحجز القانوني. ونصحني باستدانة المبلغ  مع وعد أكيد بتقديم كل المساعدة للحصول على قرض يمكنني من إعادة المبالغ المستدانة والعودة لمزاولة نشاطي الصناعي من جديد

لجأت إلى بعض الأصدقاء من رجال الأعمال فبادروا مشكورين إلى جمع المبلغ المطلوب حيث ساهم 25 منهم بتسديد ما علي من ضرائب.

و بعد الحصول على براءة الذمة تقدمت بطلب قرض لمعمل داريا المسجل باسم “جواد سيف وشركاه” لتسديد ما استدنته للضريبة و إعادة تشغيل المصنع ففوجئت بوزير الاقتصاد يكتب على طلبي “حسب الأصول” مما يعني عدم إمكانية حصولي على ذلك القرض لعدم توفر الشروط المطلوبة في مثل هذه الحالة الاستثنائية .

التفرغ للنشاط السياسي

بعد اضطراري للتنازل عن بقية حصتي في شركة اديداس ،تفرغت لنشاطات مجلس الشعب فقدمت محاضرة في المركز الثقافي الألماني بعنوان “القطاع الخاص الصناعي وتحديات المستقبل” سلطت فيها الضوء على واقع القطاع الخاص الصناعي وقدمت عدداً من الاقتراحات والحلول التي من شأنها أن تنقذ هذا القطاع مما يحيط به من خطر محدق و خسائر فادحة عند وضعه وجهاً لوجه في منافسة حرة أمام البضائع العربية والأوربية التي سوف تدخل أسواقنا معفاة من الرسوم الجمركية تطبيعاً للاتفاقيات الموقعة أو الذي ينوي توقيعها.

اعتبر بعض أعضاء القيادة القطرية هذه المحاضرة نشراً لغسيلنا الوسخ مما يضر بالمصلحة الوطنية خاصة وأنها ألقيت في المركز الثقافي الألماني واتخذت قراراً بإلغاء محاضرة أخرى بعنوان “التصدير بين الحلم والواقع “كان مبرمجاً لها أن تقام في المركز الثقافي في المزة بتاريخ 18/5/99 وتم تبليغ المدعوين بإلغاء المحاضرة واستبدالها بمحاضرة أخرى يلقيها السيد سمير صارم.

بعد مرور أربعة أيام على الإلغاء تبلغت من فرع القيادة القطرية وفرع الحزب بدمشق ووزارة الثقافة قرار إعادة السماح بإلقاء المحاضرة بوقتها المحدد. وقد تم ذلك وسط حضور متميز وتفاعل من الحضور عبر حوار صريح استمر ساعتين ونصف بعد انتهاء إلقاء المحاضرة

مداخلة مثيرة للجدل

على الرغم من المأزق الاقتصادي الذي وصلنا إليه نتيجة السياسات الخاطئة للحكومة و التي أصبحت معالمها واضحة للعيان في كل مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية فان المكابرة و تزوير الحقائق ظلت السمة الغالبة على تصريحات الحكومة

قدمت الحكومة إغلاق حسابات موازنة 1996 إلى المجلس في منتصف أيار و من خلال تحليلي الدقيق للجداول التفصيلية و مقارنتها مع جداول اغلاقات موازنات السنين السابقة و إسقاط تلك الأرقام على واقعنا الاقتصادي و ما نشر من أبحاث تفصيلية في هذه المواضيع اكتملت في ذهني صورة واضحة عن خطورة استمرار الحكومة في هذا النهج الخاطئ فبادرت إلى تقديم مداخلة مطولة من 10 صفحات تعتمد لغة الإحصاء و الأرقام لتبين ضرورة الإسراع في إعادة النظر بمجمل السياسة الاقتصادية الحالية إذا أردنا الخروج من مأزقنا و التغلب على ما يعترضنا من تحديات خطيرة .

لم ترق مداخلتي بالطبع للذين تعودوا على التغني بالإنجازات أو للذين  اغتنوا من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية ودار حوار ساخن في المجلس حول المداخلة استمر لأكثر من ساعتين وأني أعتقد أن الجميع مقتنعون من صحة المعلومات الواردة في مداخلتي بمن فيهم من تصدى لانتقادها في الجلسة حتى وصل الأمر بالسيد مصطفى العايد رئيس اتحاد الفلاحين أن قال في نهاية اعتراضه على مداخلتي [ وأقول لزميلي مع تقديري واحترامي بأنه كلام مكتوب من خارج الوطن العربي ولا يمكن لمواطن عربي يتحدث عن سورية وحتى ولو كان يكرهها مثل ما تحدث عنها، و لا يمكن لقادة إسرائيل نفسهم أن يتحدثوا مثل ما سمعنا  ].

ضــريبة  وقحــة

في الشهر الأول من عام 88 اشتريت من السيد عرفان مريدن مكتباً مساحته 45م في الطابق الثاني في شارع خلفي في منطقة فكتوريا تم تسجيله لدى مديرية مالية دمشق دفعت ضريبته عند الاستلام من قبل البائع وبلغت 102.000 ل.س وكانت ضريبة مرتفعة  إذا ما قيست بمثيلاتها في تلك الفترة ولكن البائع كان إنساناً مسالماً كبير السن لا يريد أن يدخل في متاهات الدوائر المالية.

بعد ما يقارب العشر سنوات وبتاريخ 17/10/97 تبلغت مطالبة بدفع مبلغ 1.377.100 ل.س تحت اسم فرق ضريبة عن المكتب المذكور. وتوقعت أن خطأ ما قد حصل فقدمت اعتراضاً خطياً ولكني فوجئت بتاريخ 27/10/97 بقرار حجز تنفيذي على أموالي المنقولة وغير المنقولة صادر عن مديرية مالية دمشق. لقد طال هذا الحجز كل ما هو مسجل باسمي بما في ذلك حصتي في شركة اديداس (رياض سيف وماجد الزايد) المشملة بقانون الاستثمار رقم 10. وللعلم فقد استلمت  التبليغ من القسم التجاري في السفارة الفرنسية قبل أن استلمه بشكل رسمي، حيث طلبوا بعض الاستفسارات عن مصير العمل في الشركة لأنها كانت تصدر معظم إنتاجها إلى فرنسا بمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات.

لقد سبب هذا الحجز أضراراً بالغة لسمعة شركة (رياض سيف وماجد الزايد ـ اديداس) في الداخل والخارج كما طال حساباتها الجارية في المصارف المحلية مما منعها طيلة فترة الحجز من تحريك حساباتها علماً أنها تشغل أكثر من 1000 عامل وهي أكبر مصدر ملابس إلى أوروبا على الإطلاق.

استمر  الحجز 14 شهراً حتى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات وبتاريخ 27/12/98 استلمت قراراً من لجنة إعادة النظر الثالثة يقضي بطي هذه الضريبة حيث تبين أنه لا يوجد ملف باسم رياض سيف يتعلق بهذه الضريبة هكذا وبكل بساطة بعد أن سببت لشركة اديداس (رياض سيف وماجد الزايد) خسائر مادية ومعنوية يصعب حصرها.

حـادثة فقـدان إبني  إيـاد:

رزقت ثلاثة أولاد “جواد مواليد 1968، جمانة مواليد 1970، إياد مواليد 1975”

كان إياد منذ طفولته الأولى يتميز بالجرأة غير العادية محباً للقطط، كان إذا صادف قطة لابد له أن يمسك بها ويغسلها  مهما سببت له من أذى فكان في غالب الوقت تظهر على يديه ووجهه آثار خرمشة القطط وكان مستقل الشخصية يصر على رأيه بعد أن أتم الدراسة الإعدادية قرر عدم إتماما الدراسة الثانوية لاعتقاده بأنها إضاعة للوقت فاتجه إلى تعلم اللغة الألمانية في معهد غوتة والعمل في المصنع حيث بدأ عاملاً استطاع خلال ثلاث سنوات أن يتقن صناعة الملابس ثم خضع لدورة تقوية للغته الألمانية لفترة 6 أشهر في أحد المعاهد المتخصصة في ألمانيا ثم تدرج في المراكز الإدارية في مجال الإنتاج. والتحق بخدمة العلم التي لم تمنعه من متابعة العمل في الشركة حيث تقلد منصب رئيس قسم توكيل اديداس للسوق المحلية في سن التاسعة عشر.

 كان مجداً متميزاً في عمله حقق في فترة السنتين التي أدار فيها وكالة اديداس نجاحات كبيرة ظهرت في زيادة المبيعات لأكثر من 60%.

في الأسبوعين الأخيرين قبل فقدانه كان مضطرباً جداً وصار يصل إلى عمله في الشركة في وقت متأخر (بين 10ـ11) صباحاً. وبصفتي مديره وجهت له ملاحظات قاسية كان آخرها التهديد بالفصل عند تكرار التأخير لأنني اعتبر التأخير الصباحي بدون عذر من الكبائر خاصة لمن يتحمل مسؤولية في الإدارة.

في اليوم الأخير قبل فقده كنت قاسياً معه بسبب التأخير فتقبلها برحابة صدر وقال لي “أنت لا تعلم أن روحي فداك”.  لم أتوقف كثيراً عند هذه الجملة واعتبرتها نوعاً من المجاملة والاعتراف بالذنب.

كان برنامج إياد قضاء يوم الجمعة 02/08/1996 في بيروت لاجتماع عمل مع قسم اديداس للشرق الأوسط بهدف التنسيق وحل بعض المشاكل المعلقة مع شركة اديداس.

في الساعة الثانية عشر ظهراً من يوم الخميس تقريباً تلقى مكالمة هاتفية يحثه فيها المتكلم بإلحاح على قضاء يوم الجمعة في اللاذقية بصحبة بعض الأصدقاء.

روى أحد الموظفين وكان يستمع إلى المكالمة الهاتفية أن إياد حاول أن يعتذر بشتى الوسائل ولكنه رضخ بالنهاية لإصرار مكلمه ثم قام على الفور بإلغاء موعده في بيروت وفي المساء سافر مع أصدقائه إلى اللاذقية.

كان يوم جمعة 2 آب 1996 وصادف يوم افتتاح مهرجان المحبة وكانت اللاذقية تعج بالمصطافين وزوار المهرجان.

في الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر ذهب برفقة رفعت السبيعي على موتور مائي (جواسكي) وانقطعت أخباره وأخبار صديقه حتى عاد رفيقه رفعت إلى الشاطئ الأزرق الساعة التاسعة والنصف ليلاً بأعصاب باردة يلوح بنظاراته وعندما رأى أحد رفاقه سأله عن إياد وعندما قالوا له أنه لم يعد بدأ يظهر الحزن الشديد ويتصرف كمن فقد عزيزاً عليه وروى ما حدث على الشكل التالي:

“بعد المضي في عرض البحر بسرعة 70 كم وبخط مستقيم توقف المحرك في نقطة كانت قبالة أبنية الدراسات وبعد أن سرنا ربع ساعة انطفأ المحرك لنفاذ الوقود وبقينا ننتظر تحت أشعة الشمس حتى الساعة السابعة والنصف ولم يمر بنا أحد ثم قررنا السباحة إلى شاطئ الدراسات وبعد أن سبحنا سوية لمدة ربع ساعة ابتعد عني إياد ثم سمعت صوته يخبرني أنه متعب ثم لم أعد أراه فوصلت إلى الشاطئ بعد ربع ساعة أخرى من السباحة أي في الساعة الثامنة”

 علماً أن بقية رفاقه قاموا بعدة محاولات للبحث عنه بصحبة المسؤولين عن الشاطئ الأزرق وكان آخرها الساعة السابعة والربع دون جدوى وقد أدعى رفعت بأن الموتور فارغ من البنزين وعند استعادة الموتور وجد أن ما فيه من البنزين يكفي لمسافة طويلة!

قامت الحوامات ورجال الضفادع بالبحث فور علمها بالخبر ولكن دون أن تجد أي أثر.

تم إبلاغي في صباح يوم السبت فتوجهت إلى اللاذقية وبعد أن اعتبرت أن الحادث قضاء وقدر عدت إلى دمشق مساء نفس اليوم وكان كل الخبراء يتوقعون ظهور الجثة خلال أيام و ربما بعد أسابيع نتيجة تغير التيارات البحرية.

وقمت بإعلام سلطات خفر السواحل التركية وعممت السلطة السورية الخبر على كل المرافق البحرية السورية. ولكن طال الانتظار وتشابكت أخبار ما قبل فقد إياد وكان أبرزها أنه كان يعيش في قلق كبير خلال الأسبوعين الأخيرين فكان غالباً ما يجلس في البيت لا يستطيع النوم. وكثيراً ما كانت أمه تستيقظ لصلاة الصبح فتجده جالساً مهموماً يفكر يبدو عليه التعب والقلق في آن معاً.

وروى أحد زملائه أنه قبل أسبوعين جاءه بحالة عصبية متوترة يطلب مساعدته بشراء مسدس بالسرعة الكلية وفعلاً اشترى مسدساً ولكن عندما علم أنه غير صالح بما فيه الكفاية استبدله بمسدس آخر ولكنه عندما ذهب إلى اللاذقية لم يصطحب ذلك المسدس معه وحتى الآن ما زال الغموض يكتنف قصة اختفائه. واستنتاجي الشخصي أن لا علاقة للبحر بالموضوع ولكني لا أجد دليلاً لإثبات ذلك وتبقى قناعتي أنه لابد من أن تظهر الحقيقة في يوم من الأيام لقد كثرت الإشاعات وكان أكثرها وقاحة أنني أخفيته وأرسلته إلى أوروبا محملاً بمبالغ كبيرة من الأموال أريد إخفائها. مع العلم أن إياد كان يحمل جواز سفر نظامي ويسافر بإجازة نظامية خارج البلاد  مرتين في السنة على الأقل لمتابعة مؤتمرات اديداس العالمية. 

طــرق الارتــزاق

في عام 1995 احتاجت شركتي إلى 10 أطنان من الغزول فعلمت أن سعر الكيلو الغرام الواحد في السوق السوداء يزيد  55 ل.س عن سعرها الرسمي في المؤسسة العامة النسيجية فتوجهت إلى المؤسسة ،و خلال اقل من ساعة حصلت على استثناء موقع من مدير المؤسسة ووزير الصناعة و مدير معمل حماة الذي كان بزيارة للمؤسسة ،بتسليمي العشرة أطنان  من الغزول .في البداية سررت كثيراً لاهتمامهم و علمت بأنه بإمكاني أن احصل على أية كمية في المستقبل متى أريد .

و في طريق العودة إلى مصنعي بدأت أفكر بما حدث ووصلت إلى قناعة بأنني أبيع ضميري كعضو في مجلس الشعب، لانه ولولا هذه الصفة  لما حصلت أبدا على هذا المغنم .و فور وصولي إلى المعمل اتصلت بمدير المؤسسة السيد مصطفى جاويش و طلبت منه إلغاء الاستثناء فقال لي على الفور ” معقول فيها نصف مليون ليرة” فقلت له من اجل ذلك ارفضها .

هذه واحدة من آلاف الوسائل التي مكنت الفئة المستفيدة من الفوضى الاقتصادية من جمع الاموال الطائلة على حساب معيشة الشعب ومستقبله .

الخـــاتمــة

لا شك أن ما دفعته ثمنا لمواقفي المبدئية كان ثمنا غاليا أتى على نتاج عمل و دأب متواصل استمر لأربعين عاما بل أن الثمن كان اكبر من ذلك و كان يمكن بكل سهولة تفاديه و تحويله إلى جني أموال طائلة و لكن ذلك لا يكون إلا على حساب التنكر للمبادئ و القيم و التعدي على مصالح أبناء الشعب و خيانة من  فوضني من الناخبين

إن كل ما تكبدته من خسائر لم يزدني إلا إيمانا و إصرارا على تأدية الأمانة و لقد علمت منذ البداية أن الكفاح لا يمكن أن يكون سهلا و لا بد له من ثمن . و قد اخرج مهزوما موصوما بكل التهم المشينة و لكن هذا لم و لن يثنني لأن ما أقوم به هو  واجب ارتضيته  فغدا متعة حياتي و رضى نفسي فليس لي فيه منة على أحد و لا اطلب جزاءا و لا شكورا ،و ربما أكون أحد المسخرين لخدمة الشعب كما قال سيدنا محمد في الحديث الشريف ” إن لله رجال سخرهم لقضاء حاجات الناس …”و كما جاء على لسان رسول المحبة سيدنا عيسى عليه السلام ” من أراد أن يكون كبيرافيكم  فليكن لكم خادما ” .

                دمشق 23/09/1999

                                                                 ريـاض  سـيف  


¨· خلال فرز الأصوات أردت اختبار بعض الصناديق التي جرى عدها وختمها بالشمع الأحمر فطلبت إعادة فتح صندوقا كان عدد أصواتي فيه قبل إعادة العد 240 صوتاً. وعندما لقيت الكثير من الممانعة في إعادة فتحه من قبل بعض القوى لجأت إلى محافظ دمشق الذي قدم لي المؤازرة على الفور وأرسل معي اثنان  من كبار موظفيه، حيث قمنا بإعادة العد فكانت أصواتي الحقيقية 320 صوتاً أي أن 80 صوتاً قد تم إخفاؤها. وبالمقابل ظهرت أصوات وهمية لمرشح آخر وبأعداد كبيرة. وقد أبدى السيد المحافظ استعداده لفتح أية صناديق أخرى إذا رغبت بذلك ولكن النتائج بدأت بالظهور وكانت الأصوات التي حققتها تؤكد فوزي في المراتب الأولى وأن ما خسرته من أصوات بسبب التلاعب لم يعد له من الأهمية التي تستدعي خلق مشكلة كبيرة أو تأخير عمليات الفرز النهائي حيث كان الوقت متأخراً في ليلة فرز الأصوات والناس مرهقون فقررت التنازل عن حقي.

اقرأ أيضا